السبت، 3 مايو 2014

تجربتي مع أدب الطفل في السلطنة فاطمة اللواتي




منذ فترة ليست بقصيرة وأنا أسبر غياهب الذاكرة عن بداية نشوء أدب الطفل في سلطنة عمان. ومما أسهم في تنشيط الذاكرة هو الرصيد الورقي الذي ما زلت أحتفظ به. إلا أن ما نشط الهمة على الكتابة هو أمران: أولهما أنه قبل عامين أو أكثر تقريبا أقيمت فعالية في جامعة السلطان قابوس حول أدب الطفل في سلطنة عمان تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، وكان من ضمن برامج الفعالية محاضرة حول تاريخ نشوء أدب الطفل في سلطنة عمان. لقد اختزلت المحاضرة تاريخ أدب الطفل في الفترة الأخيرة من سني عمر هذا الأدب والتي ظهرت فيها عدد من القصص من المفترض أن تكون موجهة للطفل. كما افتقدت المحاضرة الى الكثير من الحقائق والوقائع التي سبقت
هذه الفترة مختصرة بذلك تاريخ هذا الأدب في بضع السنوات الأخيرة  فقط. لقد فات المحاضر ما كان لأدب الطفل في عمان من قوة لم تتسم بجودة ما تم طرحه فحسب، وإنما  بثرائه وطموح العاملين والمشجعين عليه ومؤازرة المسؤولين له كذلك. في الوقت ذاته كان لي وللدكتورة سعيدة خاطر مداخلتان على المحاضرة وأرجو أن تكونا قد ساهمتا إلى حد ما في توضيح جزء من صورة أدب الطفل في سلطنة عمان. وحيث أن اللجنة التي أشرفت على ندوة أدب الطفل كانت مكونة من أفراد من وزارة التربية تحت رئاسة الأستاذ علي محفوظ المنذري فقد كان لي عتاب خاص له لتجاهل اللجنة عددا من الذين أسسوا أو ساهموا في تأسيس هذا الأدب في السلطنة وحرمانهم عن المشاركة بالندوة، بالرغم من اطلاع اللجنة على اسمائهم. أما الامر االثاني الذي ساهم في شحذ همتي على الكتابة فيعود الى الدور الإيجابي الذي لعبته إحدى الجرائد المحلية من خلال بعض المقابلات التي تم نشرها مع بعض من لهم علاقة بأدب الطفل في السلطنة.
 

لقد استحثتني العوامل السابقة على سبر غياهب أدب الطفل لأخط ما في ذاكرتي وأوراقي من ذكريات ووقائع علها تسهم في إعطاء أدب الطفل في سلطنة عمان بعضا من حقه. وسأختصر في هذه الورقة على تلك الفترة التي اعتبرها الفترة التأسيسية للأدب المكتوب للطفل في السلطنة. إنني اعتبر أن تلك الفترة هي الفترة التي بدأ فيها أدب الطفل في سلطنة عمان يأخذ معالمه بوضوح ليؤسس فيما بعد لعدد من الفعاليات من أجل الأطفال. الا أنني أود أن أشير الى ان طرحي لهذه الورقة يهدف فقط إلى الاضاءة على الفترة التأسيسية لأدب الطفل التي بدأت عام 1989 واستمرت الى منتصف العقد الأخير من القرن الماضي وذلك لسببين: أولهما هو أنني عاصرت تلك الفترة وأسهمت فيها بشكل فعال. والأمر الآخر هو أنني لا اعتبر نفسي مؤهلة في الكتابة عن الفترة التي تلت عام 1996 بسبب عدم وجودي في تلك الفترة في السلطنة من جهة ، كما أن ما طرح بعد ذلك من فعاليات كان ثمارا للمرحلة التأسيسية من جهة أخرى. كما أنني أود التنويه إلى أنني لست مؤرخة لتاريخ أدب الطفل في عمان و إنما من أولئك الذين ساهموا في ذلك التاريخ فأحاول من خلال سبر غياهب ذاكرتي لعرض أحداث تلك الفترة و التي ستتركز بشكل كبير على الأحداث التي كانت لي فيها مشاركات و مساهمات.
 
سلطنة عمان دولة ذات حضارة وتاريخ. وكثيرا ما نجحف تاريخنا حقه لسبب أو لآخر حين نختصر هذا التاريخ في فترة زمنية معينة عايشنها. وحيث أن أدب الطفل أو الأدب القصصي بشكل عام هو جزء من تاريخ هذه الحضارة فإنه من المجحف بحقها أن نختصره في نقطة زمنية معينة. فتاريخ هذه المنطقة يشهد بأننا كنا لفترات طويلة نعتمد على الذاكرة  والأدب الشفهي في سرد أدبنا وخصوصا الأدب القصصي. فأمهاتنا وجداتنا وآباؤنا وأجدادنا كلهم لديهم حكايات وحكايات كلها تحوي على الكثير من عناصر الاثارة و الترابط القصصي، الا ان ذلك الموروث لم يبق منه الكثير بسبب اقتصاره على السرد الشفهي. انني أذكر في طفولتي حين كنت استمع بشوق الى الكثير من القصص التي كان والدي يسردها علي سواء أكانت من التاريخ أو التراث او الخيال. الا ان الادب الموجه والمكتوب للطفل في سلطنة عمان - وحسب إطلاعي - كانت بدايته في عام 1989.
 

تحت شعار "من أجل غد ثقافي أفضل للطفل العماني" انطلقت فعاليات ندوة ثقافة الطفل بالنادي الثقافي والتي نظمتها اللجنة الوطنية لرعاية الطفولة بالتعاون مع اليونسيف خلال الفترة 11 و 13 أغسطس من عام 1989.  تولى فعاليات الندوة نخبة من المختصين والكتاب في مجال الطفولة من دول الخليج العربي. وكان لهم دور كبير في الإضاءة على مختلف جوانب أدب الطفل. وكانت ثمار الحلقة متعددة الجوانب. لقد أولت الحلقة اهتماما مباشرا لأدب الطفل في سلطنة عمان بحيث اصبحت بداية لولادة الشعر و القصة و المسرحية و الرسم الموجهة جميعها نحو الطفل بشكل خاص. بعد هذه الحلقة تعددت الجهات التي أبدت اهتماما مباشرا بالطفولة و كان من بينها جريدة عمان التي ظهرت صفحة الطفل فيها أكثر اهتماما ووعيا بالطفولة عما كانت عليه قبل الحلقة. وكان لعدد لا بأس به من الكتاب اسهامات واضحة و متواصلة في تلك الفترة في الكتابة للطفل. فعلى سبيل المثال من أولى القصص التي نشرت في جريدة عمان بقلمي هي "زهراء والليل" بتاريخ 25 فبراير 1990 وبعدها "حكاية مريم" بتاريخ 25 مارس 1990. 
 
ابتداء من عام 1989 اتخذت عددا من الخطوات لدعم أدب الطفل. فتبنت اللجنة الوطنية لرعاية الطفولة طباعة قصتين للأطفال تحت عنوان "سلسلة قصص الاطفال العمانية" للكاتبتين طاهرة عبد الخالق اللواتية وفاطمة أنور اللواتية. وقام كل من الأستاذ صالح بن ناصر العريمي والأستاذة عائشة الريامية بدور كبير في نشر القصص. وساهمت الفنانة مريم الحسنية في إعداد رسومات القصص بطريقة تتناسب مع خصائص الأطفال. و تواصل الاهتمام بأدب الطفل ، ففي مهرجان الطفولة الثاني لعام 1991 تم عرض أول مسرحية للطفل تحت عنوان "يوم المحبة و التعاون" تأليف فاطمة أنور اللواتية وإخراج عبد الكريم علي جواد و كانت الأغاني من تأليف الأستاذ صالح حسين اليافعي. ومما ميز تلك الفترة بشكل لافت هو الاهتمام بمستوى المواد التي طرحت. فقد تم تقييم القصتين والمسرحية التي تم تبنيها من قبل اللجنة من المختصين في مجال الطفولة من بينهم الأستاذ خلف أحمد خلف- الكاتب البحريني المعروف. هذه الإسهامات و الجهد -سواء في مجال القصة أو المسرح أو الرسومات و كذلك أغاني الأطفال- تكاملت مع الشعر الموجه للطفل الذي بزغ في تلك الفترة من خلال ديوان الدكتورة سعيدة خاطر.
 

لقد كانت طموحات اللجنة أكبر من إصدار مسرحية وقصتين. فقد اتخذت خطوات عملية في السعي نحو إصدار مجلة للأطفال، حيث وجهت دعوة في يونيو 1992 لعدد من الكتاب للمساهمة في هذا المضمار فاتخذت خطوات مدروسة وطموحة في مجال إصدار مجلة للطفل العماني. واحتوى مشروع المجلة على عدد من الفصول التي تميزت بطابعها العماني مع التركيز على محتوياتها المتناسبة مع مستوى أعمار الأطفال. إلا أن صعوبات وعقبات غير متوقعة حالت دون ان ترى المجلة النور.

لم تواصل جميع الأقلام المشاركة في الدورة التي عقدت في النادي الثقافي في الكتابة للطفل. غير أنني لم أنقطع عن ساحة الطفل سواء بالكتابة للطفل أو عن الطفل. وقد ساعدني تخصصي وأيضا عملي في تلك الفترة كموجهة لرياض الأطفال في الولوج إلى عالم الطفولة بمختلف ألوانه. وقد ساعدني هذا التواصل في نشر قصص أخرى منها "سلسلة بلدي عمان" و "زهراء تخاف الليل" التي أسهمت الفنانة حنان إبراهيم الشحية في رسم أحداث القصص كما ساهم الخطاط محمد مهدي اللواتي في خط احداثها. وكان نتاج تلك الفترة بالإضافة الى هاتين القصتين قصتان اخريتان تم طبعهما حديثا. كما أنني واصلت في المجال المسرحي بمسرحيتين الأولى بعنوان: "يوم المحبة و التعاون" و الأخرى بعنوان: "من اصطاد الفأرين؟" إلا أن المسرحية الثانية تم عرضها بعنوان آخر وأخرجها المخرج الدكتور خالد الزدجالي.
 

رغم أن أدب الطفل في سلطنة عمان لاقى اهتماما بالغا في بداياته، إلا أن هذا الاهتمام لم يتخذ منحى تصاعديا ممنهجا وإنما اعتمد بشكل كبير على جهد الكاتب وقدرته على المواصلة.  فمن خلال تجربتي الذاتية فإن اهتماماتي بأدب الطفل  حاليا تعتمد بشكل أساسي على حنين داخلي يدفعني بين الحين والآخر نحو الكتابة، وان كنت أؤمن بأن عملية الاستمرار في الكتابة للطفل حتى على المستوى الذاتي ينبغي أن تنبني على حاجة الطفل إلى أدب متميز، شأن ذلك شأن بداياتنا المتميزة التي انطلقت بشكل كبير على الرغبة في رفد الطفل العماني بنتاج متميز والرقي بأدبه. لكن كثرة العراقيل سواء الإدارية منها أو عدم تجاوب المسؤولين على الاهتمام بأدب الطفل او عدم وجود أية مساندة في عملية النشر كلها أسهمت بشكل أو بآخر في تقلص عطاء جميع الأقلام التي كان لها الدور الأساسي في بروز هذا الأدب في السلطنة.

النقطة الأخرى الجديرة بالذكر هو أن أدب الطفل على المستوى العام أي حتى خارج السلطنة لم يتخذ منحا متميزا من حيث النوعية وان كان عدد الكتب التي تنشر سنويا والموجهة للطفل في ازدياد مضطرد. غير ان المعايير السليمة للكتابة للطفل لا تنطبق على الكثير منها. فمازال المعروض للأطفال من قصص مكتوبة بأسلوب تقليدي إلا ما ندر، سواء من حيث المحتوى أو العرض. ومما يسهم في هذا الواقع هو أن عملية النشر على المستوى العام لا تخضع للكثير من المقاييس او المعايير التحكيمية التي من شأنها ان تحد من هبوط المستوى بشكل خاص.  ففي إحدى المعارض الدولية للكتب سـألت صاحب احد دور النشر عن السبب في عدم تميز كتب الأطفال في العالم العربي؟ فكان رده هو أن نزول الذوق العام و تقبل الناس لكل ما هو مطروح أسهم في ذلك. إلا أنني أوضحت له أن عدم اهتمام دور النشر بطرح ما هو متميز هو العامل الأساسي في نشر الكتب بهيأتها أو مستواها الذي نراه. فكل ما يكتب حاليا يجد له طريقا نحو السوق، بحيث أثر ذلك على الذوق العام.

        إننا في سلطنة عمان بحاجة إلى من يحتضن هذا الأدب و يتبناه لكي ينتشل كتاب و شعراء و رسامي عالم الطفل من هذا الواقع. كما أننا بحاجة الى رسم خطوط ورؤى واضحة في عملية الكتابة  والنشر للأطفال. إن أدب الطفل في السلطنة بحاجة الى مختصين يضعون أسسا ومعايير لهذا الأدب على ان يتم تحكيم كل نتاج قبل تبني نشره حتى لا تختلط الأوراق، فإننا هنا أمام عقل وأحاسيس وذوق طفل، ويؤلمنا أن نحط من قدره. ففي العالم الغربي تجد الكثير من التجمعات التي تسعى فيما بينها في تبادل الخبرات ويتم عرض أعمالهم في مجموعات صغيرة والعامل المشترك بين تلك المجموعات الصغيرة هو الحرص على الرقي بأدب الطفل والذي لا بد أن يخضع للجودة في الطرح واللغة، على أن يكون الإبداع هو الحاكم الوحيد.
 
 فهل لنا من عالم الاطفال .. عالم الحب والبراءة .. عالم العطاء والإبداع.. عالم الخيال اللامحدود ، لنلج به الى أدب الطفل ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق