الثلاثاء، 29 أبريل 2014

القيم الدينية والأخلاقية في أناشيد الأطفال


 
يخرج الطفل إلى هذه الحياة وهو صفحة بيضاء نقية لم تطبع عليها أي أفكار أو قيم أو مواهب.. كما في قوله تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}..

ثم بتأثير البيئة والظروف المحيطة بما فيها من مؤثرات جسمية وعقلية ووجدانية واجتماعية وتربوية تتشكل ذات الطفل وتتفاعل وتتطور مما يبني شخصيته الفردية، ولا شك في أن التربية تهدف إلى بناء الطفل بناءً متكاملاً، وإلى توجيه سلوكه في الدرب السليم، وهذا يوجب تهيئة الجو التربوي المشبع بالمؤثرات الفكرية والتطبيقية الإيجابية التي تُعِينُ الطفلَ على أن يغدو أكثر وعياً ومن ثم تعزز نموه العقلي والمعرفي لينعكس ذلك على سلوكه في المجتمع، لذلك فإن بناء القيم التربوية عملٌ صعب وشاق ويحتاج إلى مزيد من تحمل المسؤولية والتحلي بالوعي المطلوب وفي الوقت الملائم.

ولا شك في أن أناشيد الأطفال، كمحورٍ مهمٍّ من محاور ثقافة الطفل، تقع على عاتقها مسؤولية الإسهام في تربية الطفل وبناء القيم لديه؛ باعتبارها مادة ثقافية تربوية توظف لتؤدي دوراً فاعلاً في بناء النظام القيمي عند الطفل، وبما يحقق ترشيد سلوكه ودفعه للسير في الدرب الصحيح، لذلك لا بد من تنقية أناشيد الأطفال من كل ما يسيء إلى الفضائل وتوجيه قدراتها للإسهام في خدمة الجمال الحقيقي والقيم التربوية الصحيحة، نظراً لسرعة تأثر الأطفال بالمواقف التي تشدهم والأحداث التي تثير اهتمامهم، فينفعلون ويتفاعلون معها، وهم أكثر استجابة للتأثر بالأناشيد في تنشئتهم حيث تستطيع أن توضح لهم الطريق نحو الأجمل والأفضل وتستطيع أن تُكَوِّنَ عندهم احترام التقاليد والقيم الإنسانية بروح عالية.

سأحاول في هذه الدراسة الموجزة التي سأقدمها هنا في حلقات متعددة أن أستعرض بعض القيم التربوية المنبثقة من مجتمعنا العربي والإسلامي مع تقديم نماذج من أناشيد الأطفال التي قمت بتأليفها سابقاً لمرحلة الطفولة المتأخرة، والتي يمكن حصرها بين سن التاسعة والثانية عشرة من العمر، لنرى معاً مقدار استيعابها لتلك القيم.

* أولاً/ القيم الدينية والأخلاقية:
تتمثل القيم الدينية في الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، والتأُمُّلِ في قدرة الله العظيمة، والترغيبِ في العبادة، ويختلف تناول هذه القيم باختلاف المجتمعات وطبيعة تواصلها مع الدين ونظرتها إلى الكون والحياة.

ولعل الفكرة الأولى التي يدعو إليها الدين الحنيف هي فكرة التوحيد، والطفل بحكم انتمائه الاجتماعي يتوصل إلى هذه الفكرة لترفد إحساسه الفطري بذلك, وما أجمل أن يتغنى نشيد الطفل بهذه الفكرة لأنها تشكل اللبنة الأساس في التكوين الروحي للطفل:
 
رَبِّي الخَلاَّقُ وليسَ سِواهْ
لا نَفْعَلُ  إلاَّ  ما  يَرْضَاهْ
في كُلِّ مَكانٍ في  الدُّنيا
لا  نَعْبُدُ  رَبَّاً   غَيرَ   اللهْ
****
في البَرِّ وفي عُمْقِ  البَحْرِ
في الغابَةِ في حَقْلِ الزَّهْرِ
تَوْحِيدُ    اللهِ     يُطَمْئِنُنَا
ويَعُودُ    عَلَينا    بِاليُسْرِ
****
بِالفِطْرَةِ   نحنُ    نُوَحِّدُهُ
ونَتُوبُ    إليهِ    ونَعْبُدُهُ
نَدْعُوهُ  ونَبْقَى   نَقْصِدُهُ
نَسْأَلُهُ   الخَيْرَ   ونَحْمَدُهُ


ففكرة التوحيد يستشعرها الطفل في مراحله الأولى، وهنا يأتي النشيد ليرسخ هذه الفكرة ويؤكد هذا الشعور مستعرضاً الأدلة البسيطة التي تقع تحت حواس الطفل ومدركاته.

ولأن الرسُل جميعاً جاؤوا ليرسخوا أسس الخلق السليم وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم متمماً لمكارم الأخلاق فإن كثيراً من الأناشيد التي تطرح القيم الأخلاقية استمدّت طرحها من الدين الإسلامي بشكل أساسي من خلال القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف, وما أجمل أن نعرّف الطفل على هذه الأخلاق في ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة:
كانَ رسولُ  اللهِ  حليما
لا  يغضبُ  إلاَّ  في  حَقِّ
يَعِظُ  الناسَ  ولا  يَنْهَرُهُمْ
يَدْعُوهُمْ   لِلْحَقِّ    بِرِفْقِ
***
لِنَكُنْ  مِثلَ  نَبِيِّ  الرَّحْمَهْ
لا نَغْضَبُ بلْ نَحْلُمُ دَوْما
بِأنَاةٍ     نَعْمَلُ     وبِهِمَّهْ
نَسْتَغْفِرُ إنْ  نَغْضَبْ  يَوْما
***
نَمْلِكُ أنْفُسَنا إذْ  نَغْضَبْ
نَذْكُرُ   خالِقَنا    الغَفَّارَا
تَهْدَأُ  أنْفُسُنا   لا   نَتْعَبْ
نَتَراجَعُ  عمَّا  قدْ   صَارَا
***
اللهُ     حليمٌ     سُبحانَهْ
يَغْفِرُ ما  شاءَ  لِمَنْ  شَاءَ
يَرْحَمُنا  ما  أعْظَمَ  شانَهْ
لِنَكُنْ  في  الدُّنْيا  حُلَمَاءَ


فالنشيد هنا ينفّر من عدم ضبط النفس عند الغضب ويدعو إلى الحلم والهدوء، ومن المؤكد أن لتمثل هذه القيمة الدينية أثراً كبيراً في نفس الطفل لاسيما أن القدوة في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدخل في هذا الباب أيضاً التواضع وفعل الخير والمروءة والتسامح والوفاء بالوعد والصدق وغيرها من القيم. ومن الأناشيد التي تناولت قيمة الصدق:
نَصْدُقُ نَصْدُقُ، لا لا نَكْذِبْ
نَتَحرَّى   في    هذا    رَشَدا
فَالكِذْبُ   لِصَاحِبِهِ    مُتْعِبْ
لن   يُنْجِيَهُ    مهما    جَهِدا
***
عَلَّمَنا     الإسلامُ      الخُلُقَا
عَلَّمَنا   أنْ   نَصْدُقَ    دَوْما
أفْلَحَ يا  صَحْبِي  مَنْ  صَدَقا
لن  يَنْدَمَ  لن   يَخْسَرَ   يَوْما
***
دُنْيَانا   كمْ   تُصْبِحُ   أجْمَلْ
إنْ  نَصْدُقْ  في   كُلِّ   أوَانِ
هذا  الأسْلَمُ  هذا   الأفْضَلْ
فَالكِذْبُ   طَرِيقُ   الخُسْرَانِ


فعلى نشيد الطفل أن يبيّن بأسلوب لطيف ما للصدق من فضائل ومحاسن، وفي المقابل عليه أن يسلط الضوء على الصفة المناقضة له وهي الكذب وذلك عن طريق توضيح مثالبها ومضارها على الفرد والمجتمع، وهذا الطرح سنجد شبيهاً له عند الحديث عن قيمة القناعة:
اَلْقَانِعُ    يَحْيَا     بِسُرُورِ
ويَنالُ   مِنَ   اللهِ   رِضاهُ
هُوَ يَمْشِي في دَرْبِ النُّورِ
دَوْماً  لا  يَسْعَى   لِسِوَاهُ
***
أمَّا  الطامِعُ  فَلَهُ   الخُسْرُ
لا  يَهْنَأُ  في  عَيْشٍ   أبَدَا
ليسَ  لهُ  وَزْنٌ  أوْ   قَدْرُ
لا يَمْلِكُ  عَوْناً  أوْ  مَدَدَا
***
نَشْكُرُ     لِلَّهِ     الرَّزَّاقِ
مهما كانَ  الرِّزْقُ  قليلا
لا   نَتذمَّرُ   مِنْ    إِمْلاقِ
نَصْبِرُ صَبْراً كانَ  جَمِيلا


ولا يغفل نشيد الطفل ما للعبادات من أثر في بناء شخصية الطفل من خلال تقربه من الله عز وجل بالطاعات، وفي النشيد التالي صورة لطفل يصف رحلته إلى الحج ويعبر عن مشاعره وهو يسير في الرحاب الطاهرة ويؤدي مناسك الحج، وقد بُثَّ هذا النشيد في أيام أعياد الأضحى، وكان للصورة الحية والأداء الجميل أثرٌ كبيرٌ في تعزيز إيصال هذا النشيد إلى قلب الطفل وقلوب المشاهدين عموماً:
نورٌ   في   الأجواءِ    تَألَّقْ
هبَّ   نسيمٌ   يحملُ   طِيبَا
روحي أَنِسَتْ.. قلبي حَلَّقْ
منْ  مكةَ  أصبحتُ   قريبا
***
أحرمتُ    ولبَّيتُ    كثيرا
بِمنىً   بِتُّ   أُناجي    اللهْ
أنْ  يجعلَ  حجِّي   مبرورا
أن  أحْظَى  دوماً   بِرِضَاهْ
***
كمْ  لبَّيْتُ  على   عَرَفاتْ
وتَلقَّيْتُ   فُيوضَ   الرَّحْمَهْ
أخْلصْتُ  لِربِّي  الدَّعَوَاتْ
وشَكَرْتُ اللهَ على  النِّعْمَهْ
***
بِتُّ     الليلةَ      بِالمُزدلفَةْ
هذِي   الليلةُ   ليلةُ    عيدْ
بتُّ   أصلِّي   بتُّ    أُلبِّي
وفؤادي    بالحَجِّ    سعيدْ
***
سَعْيٌ     تَلْبِيَةٌ     وطَوافْ
والكعبةُ   شَعَّتْ    بِالطُّهْرِ
أنهارٌ   مِنْ   غيرِ   ضِفَافْ
في  قلبي  تَجْرِي   بِالذِّكْرِ


إن القيم الدينية والأخلاقية من أهم القيم التي يجب على نشيد الطفل مواكبتها وتقديمها بأسلوب شائق نظراً لأهميتها في حياة الطفل وفي بناء شخصيته على أسس سليمة ليكون دربه إلى المستقبل مستقيماً، فهو يعرف إلى أين يتجه، ولماذا يسير؟ وكيف يسير؟ وهذا يعود بنتائج إيجابية على علاقة الطفل بنفسه وبخالقه وبالناس من حوله.

سأتناول في المقال اللاحق القيم الوطنية والقيم الاجتماعية، وسأسلط الضوء على جوانب عديدة منها من خلال عدد من الأناشيد التي ألّفتها في ضوء هذه القيم.

اشهر كاتبة لأدب الطفل على مر التاريخ استريد ليندجرين



تتميز استريد بمخيلة إبداعية استثنائية، كما أنها تملك قدرة قوية على تأثيث قصص الأطفال بما يسحرهم من أشياء مختلفة، إن قارئ أعمالها يحس لا محالة بروح طفولية نابضة وحية. تصوير: Jacob Forsell/Scanpix

ولدت استريد ليندجرين (Astrid Lindgren) في 14 نوفمبر 1907 في مدينة فيمربي بوسط السويد، نشأت الفتاة في بيئة تمجد القراءة، لذلك تعرفت مبكرا على القصص والروايات الخيالية، وهو ما أهلها للعمل في مجال الصحافة وهي في سن صغيرة.

بدأت استريد في كتابة القصص عند سن 37 وكانت قصة اليتيمة المتمردة “بيبي لونجستوكينج” أو “جنان ذات الجورب الطويل” أول وأشهر كتبها التي بلغت سبعة ملايين نسخة ثم تحولت بعد ذلك إلى دراما، و ترجمت إلى جميع لغات العالم، وبلغ عدد كتبها أكثر من 100 قصة وكتاب، ترجمت غالبيتها إلى 76 لغة من لغات العالم المعروفة، وتم بيع ملايين النسخ منها حول العالم.

لقبت استريد بـ (معلمة الأجيال) السويدية، والغريب أن انطلاقتها كانت مجرد نتيجة للحظة طفولية بريئة تقول عنها في إحدى التصريحات: “بدايتي الحقيقية، ككاتبة أطفال بدأت في عام 1941 عندما أصيبت ابنتي كارين بمرض التهاب الرئة وهي في السابعة من عمرها، في كل يوم، وأنا أجلس بجانب سريرها، كانت تلح علي لقص حكايات لها، وفي إحدى المرات سألتها: أي الحكايات تريدين؟ فأجابت: حكاية بيبي ذات الجوارب الطويلة، لقد اخترعت هي هذا الاسم في لمح البصر، لهذا لم أسألها أي شيء، فقط بدأت بسرد القصة، ولأن الاسم غريب فقد سردت حكاية غريبة أيضا، بعد وقت أحبت ابنتي هذه الحكاية وأحبها أصدقاؤها، وبقيت ولسنوات أحكي لهم حكايات بيبي”.

قامت ليندجرين بتعليم الأطفال من خلال ما كتبته من قصص لهم القدرة على التفكير واتخاذ القرار وحتى التمرد الإيجابي، ولكن المشحون بالأحاسيس النبيلة والتضامن ايضا، ما أسهم في تربية أجيال من الناس ذوي شخصية قوية ومؤثرة. فالأطفال الذين قرأوا قصة “جنان ذات الجورب الطويل” في الأربعينات واستمدوا منها الشجاعة والمروءة يعيدون قراءتها اليوم على أحفادهم، ليتواصل تأثير الكاتبة على الأجيال.

ويعد وصول حكاية “بيبي لونجستوكينج” أو “جنان ذات الجورب الطويل” للنشر في حد ذاته رسالة كفاح، حيث فكرت استريد في البداية بطبعها في شكل كتاب لتقدمه كهدية لابنتها في عيد ميلادها، ولما اتصلت بإحدى دور النشر، رفضت الدار نشر الكتاب، فحاولت الكاتبة مرة ثانية وراسلت دار نشر أخرى أقامت مسابقة لقصص الأطفال، وبعد فترة اتصلوا بها ليخبروها بفوز قصصها والموافقة على نشرها.



تم اعتماد جائزة باسم (استريد ليندجرين) وهي من أبرز الجوائز العالمية توزع كل عام على المبدعين في حقل الثقافة إضافة إلى إقامة (مؤسسة استريد ليندجرين الثقافية) في ستوكهولم. تصوير: Lena Granefelt/imagebank.sweden.se

ولعل انطلاقة الكاتبة تكمن ايضا في مواقفها الإنسانية وفي إيمانها بحقوق الطفل والحيوان، وبسبب إسهامتها في تثبيت حقوق الأطفال في القانون السويدي، تم تأسيس منظمة “بريس” – انطلاقاً من فكرتها – لضمان حقوق الأطفال في المجتمع. ويُذكر في هذا الصدد ايضا مساهمتها في إنشاء أول مكتبة عالمية في أوروبا تحتوي على أكثر من مليون كتاب وبغات العالم المختلفة، وتعد حصة اللغة العربية منها الأكبر، حيث تجاوز عددها 17 ألف كتاب.

تتميز استريد بمخيلة إبداعية استثنائية، كما أنها تملك قدرة قوية على تأثيث قصص الأطفال بما يسحرهم من أشياء مختلفة، إن قارئ أعمالها يحس لا محالة بروح طفولية نابضة وحية، وهذا يدل على صدق تجربة استريد في طفولتها، وكونها بالفعل عاشت طفولة مليئة بالجمال والأحداث الممتعة، تقول ليندجرين في إحدى تصريحاتها: “أنا لم أبدع قصصي من خيال أطفالي، أنا بسهولة كتبت عن طفولتي، وأنا لا أصغي إلا لصوت الطفل الذي في داخلي”.

يلقب السويديون مدينة فيمربي مسقط رأس الكاتبة، بمدينة استريد ليندجرين، وهناك بعد وفاتها تم بناء ساحة كبيرة بجانب منزلها حيث يلتقي فيها الزائرون على مدار العام بشخوص أبطال قصصها بكامل ملابسهم والأدوات التي يتعاملون بها.

وهكذا تحولت تجربة مبدعة في مجال أدب الطفل، إلى حراك إبداعي عالمي وعمل معرفي منظم هدفه خدمة الطفولة وإسعادها.

توفيت استريد ليندجرين عن عمر يناهز 95 عاما في يناير عام 2002، وبعد رحيلها سجلت في حقها الكثير من الشهادات، كان أبرزها ما قاله ملك السويد كارل جرستاف: “لقد عنت استريد ليندجرين عبر كتاباتها المتفردة الكثير لنا جميعا، صغارا وكبارا ليس في السويد وحدها وإنما في العالم بأسره، فقد كان لحكاياتها أن تسحر وتذهل كل حواس قارئها. عوالم قصصها ممتلئة ببيئات وأناس يختلفون تماما عما هو موجود في السياق اليومي العادي والمتوقع غالبا”.

لقد عاشت استريد وفية لطفولتها التي حملتها معها حتى في شيخوختها، وظهر هذا من خلال التماع عينيها وتمردها وضحكتها الطفولية.

حوار للكاتبة فاطمة اللواتي : لا نحتاج إلى الغرب في تربية أبنائنا



يواجه الآباء والأمهات خلال تربيتهم لأطفالهم الكثير من العوائق والمشكلات، كما تفتقر المراجع العربية إلى وسائل المساعدة لهؤلاء في استفساراتهم وهنا تبرز الحاجة إلى عمل د . فاطمة اللواتي، الحاصلة على دكتوراه في تعليم الموهوبين وماجستير في رياض الأطفال، ولديها العديد من الأبحاث والكتابات، بدأت كاتبة مسرحيات في المدرسة، ثم قصص للكبار، وبعد فترة بدأت بالكتابة للأطفال، إلى جانب ذلك مقالات في الجرائد العمانية، وأبحاث تربوية وورش عمل . حول عملها في مجال التربية كان هذا الحوار مع اللواتي .

أنتِ من القلائل في السلطنة ممن يهتمون بتربية الطفل، ما رأيك في واقع هذه التربية؟

- موضوع تربية الأطفال واقع معروف لكنه مجهول بالنسبة إلى الكثيرين، هذا المعروف المجهول يخضع أيضاً للكثير من النظريات والآراء والأفكار إلى جانب تنوع التأثيرات المنصبة فيه من شتى بقاع الأرض، كما أنه يتأثر بالعديد من المتغيرات المتنوعة المعقدة، لاسيما في واقعنا الخليجي، حيث مكونات البيت لم تعد تقتصر على العائلة أو الأسرة أو الأقارب، وإنما تمتد إلى الخادم والسائق والمربي والطباخ وكل هؤلاء من جنسيات مختلفة . ومدارسنا لم تعد محصورة بالمعلم المواطن أو العربي، وإنما تعددت الجاليات الأجنبية التي تتكفل بتعليم أولادنا، كما أن أسواقنا التي تزدهر بكل جديد من المنتجات أصبحت هي أيضاً محطة لتنوع الأجناس البشرية القادمة من شتى بقاع العالم . إلى جانب ذلك فمناهجنا لم تعد المناهج الوطنية التي تدرس للجميع فهناك مناهج دراسية متنوعة ومدارس لمختلف الجاليات . ووفق النظريات الحديثة، فإن الطفل يتأثر بعدد من المتغيرات أو النظم التي من الممكن تصورها على شكل دوائر متداخلة ويكون الطفل النقطة المركزية داخلها . الدائرة الأقرب تسمى Microsystem، وفيها يتم التركيز على نوعية العلاقات القائمة بين الطفل ووالديه ومعلميه وأقرانه والآخرين من حوله، وتتسم هذه العلاقة بالحب والخوف والتعاون والاحترام، أما الدائرة الثانية وتسمى Mesosystem، فيظهر فيها التأثير والتأثر المتبادلان بين الطفل والجوانب البيئية المتصلة به كالمدرسة والأسرة والجيران والحارة، والمجتمع، ودور العبادة، أما الدائرة الثالثة Exosystem، فتتضمن العلاقات الاجتماعية الأخرى التي ليس لها علاقة مباشرة بالطفل مثل نوعية عمل الوالدين، فمكان عملهما قد لا يعني له كثيراً إلا أنه يتأثر بطبيعة هذا العمل وما يسببه من غيابهما لفترات طويلة أو قصيرة عن البيت أو بالصعوبات التي قد يواجهانها في العمل وانعكاسات تلك الأمور على الأسرة . والدائرة الرابعة Macrosystem هي الدائرة الخارجية التي تعنى بالتفاعل الاجتماعي وبعادات وتقاليد المجتمع، فالعادات والثقافات المختلفة التي نتبناها ونتفاعل معها تؤثر في نوعية التربية التي يتلقاها الطفل وتؤثر في عملية تفاعله واتصاله بها .

هذا الواقع المتنوع والمتغيرات المختلفة من الممكن أن تسهم في إغناء معارف الطفل عن الثقافات المختلفة واحترام الأجناس البشرية إن تم التواصل بينهما بشكل إيجابي الذي مع الأسف نفتقده، وهو كذلك قد يشكل عاملاً مباشراً في تزعزع قيم ومفاهيم المجتمع بما فيه من أطفال وتراث وتقاليد، فهو سلاح ذو حدين .

ما النواحي التي ترين فيها تقصيراً؟

- التقصير في الأمور التربوية قد يأخذ مساحة واسعة من الحديث، كما أنه يحتاج إلى دراسات منهجية، خصوصاً حينما نتحدث عن التقصير على المستوى الرسمي، أما على مستوى الأفراد فكل منا يستشعر التقصير ويسعى إلى تلافيه، فمثلاً أنا بصفتي أماً قد أدرك التقصير الذي أتمنى لو كنت تلافيته، والمعلم في الواقع المدرسي يدرك أن هناك أموراً قصّر فيها، والمسؤول أيضاً يتمنى لو أنه استطاع تلافي تقصير ما في جهة ما أو في بعض من ممارساته، التقصير موجود في حياتنا جميعاً .

ما الذي تفعلينه لتلافي التقصير الموجود؟

- على المستوى الشخصي أحاول أن أكتب وأنشر لألفت النظر إلى ما أراه بحاجة إلى تقويم، فإضافة إلى استخدام إمكاناتي في مجال الكتابة، فإنني كذلك أعقد دورات وأقيم ورش عمل وأجري بحوثاً في حدود إمكاناتي الشخصية، وهذا دأب من هم في وضعي وليسوا في موقع القرار أو السلطة .

لجهة أدب الطفل، تعاني المجتمعات العربية عموماً والسلطنة بخاصة نقصاً واضحاً في هذا الجانب، ما الأسباب برأيك وكيف نعالجها؟

- أي مشروع ينشد النجاح، سواء هنا في السلطنة أو في أي مكان آخر، يحتاج إلى مَنْ يتبناه، هذا التبني لن ينجح إلا بقرار حكومي وبدعم، فعندما تتحرك القرارات على هذا المستوى فإنها بلا شك تتحول إلى واقع، لكن، لتحقيق ذلك لا بد من اختيار أشخاص أكفاء لقيادة الدفة أو المؤسسة . نحن في السلطنة مع الأسف نفتقد المؤسسة الداعمة لأدب الطفل، لكن الأمل المعقود على هذا العام كبير، فنأمل أن يتحقق شيء ذو أهمية في مجال الطفولة، فبما أن السلطنة تحتفل في هذا العام بعام الطفل فإننا نأمل بتهيئة الأرضية المناسبة لإيجاد مؤسسة داعمة وفاعلة تستطيع مواكبة حركة الطفولة ونشاطها وتأخذ بيد أدب الطفل الموجّه إلى ما يغطي النقص في هذا المجال .

ماذا عن الدورة التي تقيمينها لتعليم فن كتابة القصص للأطفال؟

- هذه هي الدورة الأولى، فحسب معلوماتي لم تقم دورات في هذا المجال منذ سنوات عديدة، والهدف هو تحقيق عدد من الأمور منها مساعدة الشخص الراغب في الكتابة للأطفال على أن يتمكن من كتابة قصص لهم وفق أسس سليمة ومن خلال فهمه لعالم الطفولة وخصائص الطفل . على الصعيد المحلي المشاركة محدودة، ولو تبنت الدورة إحدى المؤسسات لوجدت الكثير ممن يرغبون في المشاركة، لكن من ناحية ثانية حينما يتواصل معك أفراد من دول خليجية أخرى رغبة في المشاركة، فإنني أرى أن هناك إقبالاً على أدب الطفل على مستوى الخليج ونقصاً في هذا الجانب بالذات .

ما الذي تقدمه كتب الأطفال لهم برأيك؟

- هناك أنواع مختلفة من كتب الأطفال، منها الخيالية والواقعية، هذه الكتب تطرح أيضاً بتصاميم مختلفة، منها المصورة أو اللوحية والمبوبة وكتب التلوين، هذه الكتب كلها تطرح بأفكار مختلفة وتسمح بمساحات واسعة للمؤلف ليبدع فيها ويقدم الكثير، من خلال كتب الأطفال ينمو خيال الطفل ولغته ويبدأ في محاكاة العالم من حوله، والطفل الذي يبدأ في التعرف إلى كتب الأطفال في سن مبكرة تتوسع آفاقه ويتأثر مستواه الأكاديمي ويتعود على القراءة ويتخذ من الكتاب صديقاً له ورفيقاً .

هل تجدين تجاوباً من القائمين على التربية في الجهات الحكومية المعنية؟

- التربية مفهوم واسع، والقائمون على الشأن التربوي أفراد مختلفون من حيث المستوى والفهم والأداء، وهذا ينطبق حتى داخل المؤسسة الواحدة . مثلاً قبل فترة أقمت في النادي الثقافي محاضرة حول فن تربية الطفل ما قبل المدرسة وبدعوة من النادي مع أن هذه النوعية من الأنشطة ليست من صميم توجهاته، وهناك مؤسسات أخرى لا علاقة مباشرة لها بالشأن التربوي قد تدعم الأمور التربوية، وهناك مؤسسات صاحبة المسؤولية والاختصاص في الشأن التربوي وتجدها مقصرة في العديد من النواحي .

هل يمكن تلخيص بعض النصائح الرئيسية في تربية الأطفال قبل المدرسة؟

- في دراستي للماجستير في مجال رياض الأطفال اعتمدت على التشريع الإسلامي لفهم القيم الإسلامية في تعليم أطفال ما قبل المدرسة، وأوضحت نتائج الدراسة أن النظرة الإسلامية للطفل أكثر شمولية وعمقاً، وأن الأساليب الإسلامية في تربية الأطفال لا تخالف الأساليب التربوية الحديثة بل تضيف إليها الكثير . وفي بحثي لنيل درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة في تعليم الموهوبين اعتمدت أيضاً على القرآن والأحاديث الشريفة والتراث الإسلامي في وضع النظرية أو الرؤية الإسلامية في تعليم الموهوبين . وقال لي الدكتور المشرف على بحثي إنه يعتبر إضافة جيدة إلى ما هو موجود في مجال تعليم الموهوبين . من هنا أقول إن لدينا الكثير من القيم والمفاهيم التي تؤهلنا لأن نرسم معالم لتربية طلابنا ونعتمد عليها أساساً لمناهجنا وبرامجنا التربوية، ولسنا بحاجة إلى الاستعارة من الغرب، وحينما نضع منهجاً قائماً ومنبثقاً من صميم قيم مجتمعنا ومبادئه يكون أكثر ملاءمة لحاجات الطالب، وبالتالي ينعكس على شخصيته وقدراته وتقدمه .

إننا بحاجة إلى فهم أطفالنا وعالمهم والتعامل معهم وفق أسس المحبة من غير تمييع لشخصياتهم، فالعملية التربوية ليست أمراً سهلاً أو وصفة جاهزة من الممكن استخدامها، لكنها أيضاً ليست عملية مستحيلة وإنما هي بحاجة إلى إدراك من أولياء الأمور والمربين لضرورة الموازنة بين عناصر شخصية الطفل من غير إفراط أو تفريط، والتربية الصالحة هي أولاً وأخيراً توفيق من الله سبحانه وتعالى، وهذا التوفيق بحاجة إلى تخطيط سليم وأدوات صحيحة وكفاءات مخلصة وأساليب حديثة وملائمة .

أخطر المراحل
تقول د . فاطمة اللواتي عن أخطر المراحل في تربية الطفل: في واقعنا الحالي، كلتا المرحلتين خطرة، لكن تبقى مرحلة خروج الطفل واحتكاكه بالعالم من حوله بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والعناية، إلا أن المرحلة الأولى هي مرحلة بناء القيم والمفاهيم وتأكيد الأساسيات، وتتميز هذه المرحلة أيضاً ببدء بناء الاحترام والثقة المتبادلة بين الوالدين وأطفالهما . هذه الثقة والاحترام من الأساسيات التي تسهم في ما بعد في حصانة الطفل من العوامل الخارجية وبناء شخصيته، بحيث تكون شخصية مؤثرة وغير متأثرة فقط، شخصية متوازنة تستطيع أن تقيم وتحلل وتقول نعم أو لا للمثيرات الخارجية، الشخصية المتوازنة تكون أقل عرضة لأي خطر خارجي يحرفها عن مسارها . طبعا، قيادة الوالدين واهتمامهما المتواصل باحتياجات أولادهما ضروريان، فإن زراعة الإحساس فيهم بأنهم موضع ثقة الوالدين والأهل أمر مهم في العملية التربوية، لأن ذلك من شأنه أن يسهم بشكل كبير في محافظة الأولاد على تلك القيم والمفاهيم، لكن ينبغي على الوالدين أن ينتبها ولا يعطيا ثقة أكثر مما ينبغي

الاثنين، 28 أبريل 2014

لمحات في أدب الطفل

 
إبراهيم بن سعد الحقيل

 عرفت البشرية منذ وجودها أدب الطفل ـ وإن لم يكن مكتوباً ـ فهو من أنواع الأدب المختلفة، يعبر عن الأمة: عقيدتها، وهويتها، وآمالها، وأساليب عيشها.

والإسلام ذو عناية بالطفل قبل أن يكون إلى أن يكون، وبعد أن يكون إلى أن يبلغ مرحلة التكليف، وكانت عناية القرآن الكريم بالطفل ظاهرة، واهتمام رسولنا الكريم - صلى الله عليه و سلم - به ساطعة.

وسنلقي الضوء في هذه العجالة على الأدب الخاص بالطفل؛ من منظورنا نحن ـ أهل التوحيد والسنة ـ لا من منظور غيرنا المستعار.
ما أدب الطفل؟
إن أفضل تعريف وأيسره هو: أن كل ما كُتب وصُوِّر وقُرئ ليقرأه ويراه ويسمعه الطفل فهو أدب للطفل.

ونحن ماذا نريد من أدب الطفل؟ إننا نريد منه أن يحقق لنا عدداً من الأهداف الكثيرة التي تدخل تحت أربعة أهداف رئيسة هي:
1 - أهداف عقدية.2 - أهداف تعليمية.3 - أهداف تربوية.4 - أهداف ترفيهية.

وذلك التقسيم لكيلا تتداخل الأفكار، وإلا فكل الأهداف تدخل تحت الهدف العقدي؛ لأننا أمَّةٌ عقيدتنا تشمل جميع شؤون الحياة الكبيرة منها والصغيرة.
1 - الهدف العقدي: أهل كُل أمَّة كتبوا أدبهم مستمدين ذلك من عقائدهم، فتجد آثار تلك العقائد ظاهرة في آدابهم جليَّة، وبما أن ديننا الإسلام خاتم الأديان والمهيمن عليها وجب علينا أن يكون هذا الأدب معبراً عن تلك الحقيقة، فنجعل عقيدتنا تصل إلى الأطفال عن طريق الربط بينها وبين جميع حواسهم وملاحظاتهم ومداركهم؛ لأنه لا خوف من ذلك؛ فعقيدتنا لا تصطدم بشيءٍ من الحقائق العقلية، فتكون كلمة التوحيد موجودة في ذلك الأدب حتى تنمو معه. ولقد حرص الإسلام على أن يكون أولَ ما يطرق سمع الصبي الشهادتان، وكان سلفنا أول ما يحرصون عليه أن يتكلم الطفل بالشهادة، فتنمو معه ويزداد حبُّه لها.

يقول الغزالي: «اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه ليحفظه حفظاً لا يزال ينكشف له معناه في كِبَرِه شيئاً فشيئاً»(1).

لا بد من ترسيخ حب الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعرفة قدرته، وأنه خالق الإنسان ومسيِّر الكون، وأن المرجع والمآل إليه، فينشأ الطفل غير مشوش التصور وضعيفه، تهزُّه أول كلمة شك، أو ينساق وراء الجهل، فيقع في الشرك أو البدع المهلكة.

وما أجمل تلك الأناشيد التي تمجد الخالق وتحث على التدبر في مخلوقاته، أو تلك القصص والصور التي تزيد الطفل يقيناً بعظمة الخالق وقدرته، فيزداد حباً لربه ويقيناً بعقيدته التي تدعوه إلى التضحية في سبيل الله كما فعل سلفه الصالح.

ومن تلك الأهداف العقدية محبة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - والأنبياء والرسل، وذلك عن طريق السيرة النبوية وقصص الأنبياء المستمدة من القرآن الكريم والسنة الكريمة لا من الإسرائيليات، فما أروع تلك القصص عندما تكون تفسيراً مبسطاً لقصص الأنبياء والمرسلين التي وردت في القرآن، فيزداد ارتباطه بالقرآن، ويعلم علم اليقين أنه المصدر السابق لتلك القصص، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون ذلك درعاً للدفاع عندما يصل إليه المشككون، كما يصبح له ذلك طريقاً لتعلم القرآن وقراءته ومحبته والارتباط به. ومن الأهداف كذلك تحبيب الأطفال بالرسول - صلى الله عليه و سلم -، ومعرفة حقه، ووجوب طاعته؛ ففي عرض سيرته مجملة أو مقسمة خير مرسخ لتلك المحبة، والتركيز على صلته بأصحابه وعرض محبتهم له وفدائهم له، وما أكثر تلك المواقف القصصية في سيرته وسيرهم.

كما تعرض لهم علاقته مع أهل بيته، وليكون الطفل على دراية بدور الأم والأب والأولاد، فلا يكون ذلك غرضاً يرمى به عند الأقلام المسمومة.

ولا بد في أدب الطفل من استلهام كل أمرٍ عقدي من القرآن الكريم؛ حتى يعرف الطفل عن طريق تلك الآداب أن القرآن مصدر عقيدته لا يدخله شك ولا شبهة ليكون ذلك خير دفاع في نفسه في وجه تيارات الكفر والضلال، فينشأ الطفل قادراً على التكيف لا تتنازعه الأهواء، ويكون أكثر اتزاناً؛ لأن العقيدة الصحيحـة غُـرسـت في قلبه وفكــره بتمثلهـم لها عـن طـريق تلك الآداب.

يقول الإمام الغزالي: «ويرسل إلى المكتب مبكراً فيتعلم القرآن وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار ليُغرَس في نفسه حب الصالحين»(2).

وليس الأمر في ذلك بحشو أدب الطفل بتلك الأسس حشواً، بل تكون أسساً يركز عليها ذلك الأدب. فقد تكون القصة أو التلوين أو الفيلم أو الأنشودة في بابها أو تحوي بين ثناياها تلك الأسس لتصل إلى الطفل مقرونة بشيء من المحسوسات؛ لتكون أسرع رسوخاً في ذهن الطفل، مبسطة حتى يمكن لعقل الصغير إدراكها، وفي القرآن الكريم أمثال لذلك من ضرب الأمثال على التوحيد، وعظمة الخالق، وقصص النبيين.
2 - الهدف التعليمي:لا بد أن يضيف الأدب إلى أهله شيئاً قد يكون مفيداًَ أو ضاراً؛ وأُمَّـةُ الإسلام يجب أن يضيف أدبها ـ أيًّا كان نوعه ـ ما يفيد سوادها ـ ومن ذلك أدب الأطفال الذي يجب أن يستغل حب الأطفال للاستطلاع والمعرفة. يقول عبد الفتاح أبو مِعال(3): «ولما كان الإحساس بالحاجة إلى المعرفة عند الأطفال جزءاً من تكوينهم الفطري لأن غريزة حب الاستطلاع تنشأ مع الطفل وتنمو معه، ومحاولة الطفل التعرف على بيئته تعتبر من العوامل الهامة التي إذا عولجت بحكمة؛ فإن ذلك يؤدي إلى تنمية ما يمكن أن يكون لديه من إمكانات وقدرات».

ومن ذلك أن يكون هذا الأدب يدرب الطفل على قراءة القرآن، وإجادة تلك القراءة مع فهم مبسط لمعاني ما يقرأ لكي يتذوق القرآن ويفهم ما يقرأ. وفي القرآن رصيد ضخم للمعارف بأنواعها مما يفتح عقل الطفل ويزيد تعلقه بكتابه؛ ففي بعض سور القرآن كسورة الفيل، والمسد، والشمس، قصص مبسطة وقصيرة تناسب الأطفال. وكلما تقدم الطفل كان الأدب مراعياً لذلك التقدم، كما يتعلم عن طريق الأدب ما يُقوّم لسانه من لغته العربية، فيزداد تعلقاً بها ومحبة لها، مع مراعاة القاموس اللفظي للطفل، ولذلك لا يستطيع كل أديب الكتابة للأطفال.

وليكن الأدب محفزاً الطفل على اكتشاف كل جديد، ومعرفة خفاياه من علوم دنيوية تحيط به كمكونات جسم الإنسان وآليته، وخلق الحيوانات والأرض والأفلاك وغيرها، ليعرف إبداع الخالق وعظمته مع ربط ذلك بالقرآن الكريم الذي يحوي الكثير منها. كما يعلمه الأدب علوم الإنسان كالتاريخ والجغرافيا والفيزياء والحاسب الآلي والأقمار الصناعية؛ ليشبع في نفسه حب المعرفة ولتنمية ما لديه من هوايات لتصبح مهارات يتميز بها. قال محمد بريغش: «وأدب الطفل يعين على اكتشاف الهوايات والحصول على المهارات الجديدة، ويعمل على تنمية الاهتمامات الشخصية عند الطفل».

ويمكن تشجيعه على استعمال تلك المعارف في حديثه مع غيره، وفي إلقائه ومخاطبته للجمهور، ولنعلم مدى فائدة تلك الآداب للطفل لننظر إلى الأفلام المتحركة المدبلجة أو المنتجة؛ فلغتها الفصحى علمت أكثر الأطفال هذه اللغة المحببة، وأصبح السواد الأعظم من أطفالنا المتابعين لها يعون ويفهمون لغتهم الفصحى وإن لم يستطيعوا الكلام بها بشكل جيد، وظهر أثر ذلك في كتاباتهم، فزادت مفردات الفصحى وأساليبها، وأثَّرت في حديثه وكتابته.
3 - أهداف تربوية:إن التربية التي يتلقاها الطفل عن طريق الأدب ليست بأقل مما يتلقاها في مدرسته أو على يد والديه أو عن طريق مجتمعه؛ لأن الطفل عندما تكون هذه التربية بالأدب أياً كان نوعه يقرؤها أو يسمعها أو يراها؛ فإنها ترسخ في ذهنه؛ فابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عندما أوصاه الرسول - صلى الله عليه و سلم - بالوصية الجامعة كان غلاماً، ورغم ذلك طبق تلك النصيحة ونقلها إلى غيره من الناس، وطبعت حياته بطابعها الإيماني.

فالطفل بطبعه ميال إلى تقليد غيره من الكفار بالحسن وبالقبيح؛ فالتربية لا بد أن تراعي ذلك الجانب؛ فإنه عندما يرى فيلماً أو يقرأ أو يسمع قصة يتمثل أو يحاول أن يتمثل دور البطل أو الشخصية التي تناسبه فيها، فيحاول قدر الإمكان تقليدها؛ لذلك وجب علينا أن نستفيد من ذلك وخاصة في الأدب المرئي للطفل؛ لأنه أســهل طريــق للتربية لا يحتاج إلى كبير جهـد وعناء.

إذن يجب أن يكون هذا الأدب مربياً للطفل على الأخلاق الحسنة الفاضلة متصفاً بالتوحيد؛ فما أحسن تلك الأفلام المتحركة أو غيرها التي تصور طفلاً ينشأ على الفطرة الإلهية موحداً متصفاً بأخلاق حسنة وصفات نبيلة يتمثلها الطفل ويعجب بها أيما إعجاب، وما أكثر ما بلينا بتقليد أطفالنا لكل بطل أجنبي بسبب قصور أدب الطفل المرئي لدينا، إن لم نقل انعدامه، فجلب لنا جيلاً منفصلاً عن أمته، بل وعن محيطه الصغير ممن هم أكبر منه سناً، وما أعظم تأثير قصص أبناء الصحابة والصغار الصالحين؛ لأنه سيتمثل تلك المواقف لتصبح جزءاً من تكوينه.

لا بد أن تكون الأهداف التربوية في هذا الأدب أهدافاً سامية منتقاة من تاريخ أمتنا، لا بد أن ننمي فيهم عن طريق أدبهم روح الجهاد وبذل النفس والمال في سبيل ديننا؛ لأن التربية الأنانية وحب الذات قادنا لنكون أمة كغثاء السيل الذي أخبرنا به النبي - صلى الله عليه و سلم -، كما ننمي فيهم روح المبادرة والقيام بالأعمال المفيدة، بل أن ننمي فيهم انتظار المعجزات التي لن تكون، ونربي بهذا الأدب الاعتماد على القرآن والسنة لتصديق أمر ما بدلاً من تحكيم غيرنا الذي قادنا لنؤمن بالخرافات والخزعبلات، فانتشر كثير من المسلمين بين القبور والقباب، وضاعت هممهم بين الأناشيد والأذكار الصوفية، ونجعل هذا الأدب يطبعهم بطابع العزة والأنفة وعدم الانحناء أمام ملذات الدنيا، ويصور لهم أن الحياة خير وشر وسعادة وعناء، حتى نبعدهم عن اليأس والضغوط والتشاؤم، ولا زلنا نتذكر تلك القصص المفزعة عن السحالي والوحوش والعفاريت التي جبلتنا على الخوف والرهبة من كل شيء، فلا بد أن يكون هذا الأدب منمياً لأطفالنا على حب الجهاد وعدم الخوف؛ لأن تلك التربية قادت المسلمين لأن يكونوا أيتاماً على مأدبة اللئام.
4 - الهدف الترفيهي:لا بد أن يكون هذا الهدف داخلاً في الأهداف السابقة؛ لأن الطفل يحب التسلية والترفيه ويمل من الجد؛ فعندما نقدم له العقيدة والتعليم والتربية عن طريق الترفيه فلا بد أنه سيُقبل عليها وتنغرس في ذهنه أكثر مما لو كانت خالية من التسلية والترفيه. ولا أدل على ذلك من تعلق التلاميذ بالأفلام المتحركة، رغم أهميتها في التعليم والتربية إلا أننا نجعلها للترفيه. قال عبد الفتاح أبو مِعال: «والفيلم المصور المسجل بالصوت والمصاحب للحركة يساعد الأطفال على إيصال المادة التعليمية إلى جميع فئات الأطفال؛ فهذه العناصر: الصوت والصورة والحركة، تقوي سرعة البديهة والذاكرة، وتغرز القدرة على الفهم والحفظ»(4).

لكن طلب تلك التسلية والترفيه للطفل لا يصرف هذا الأدب إليه خاصة بدون نظر إلى الأهداف السابقة؛ لأنها المهمة وهو الوسيلة، لننظر إلى واقعنا حينما صرفنا أطفالنا نحو التسلية؛ فكثير من آداب الطفل نقصد بها التسلية والترفيه لكنها غرست في نفوسهم ما يصادم الدين والأخلاق؛ لأنه لا يوجد أدب ترفيهي منعزل عن الأهداف الأخرى؛ فالطفل عندما يلون قصة أو يشاهد فيلماً أو يقرأ فإنه يستمتع بذلك ويتسلى به، ولكنه يكتسب من تلك التسلية قيماً ومفاهيم إن صيغت بما نريد أفادت، وإن صاغها غيرنا قد تفيد ولكنها تضر أيضاً، فهي كالخمر والميسر حينما قال عنهما الله ـ تعالى ـ: {وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
واقع أدب الطفل:
هل حققنا هذه الأهداف؟ لا شك أننا لم نحقق للطفل تلك الأهداف ما عدا هدفاً واحداً هو الهدف الترفيهي. لماذا؟ لأنه هدف لا يحتاج إلى عمل وعناء وفكر كبير، نقوم بحشو الخيال الكاذب في قصة أو خلافها ثم نعطيه الطفل رغم خطورته. يقول باحث(5) : «هناك فارق بين الخيال من جانب، وبين الكذب وعدم الصدق من جانب؛ فالأطفال يحبون سماع الحكايات التي يعتقدون أنها ممكنة الحدوث وهم لا يرفضون الأحداث الخارقة».

أو نقوم باستيراد ما يطرح لنا من مزابل الأمم الأخرى النصرانية (أمريكا) والوثنية (اليابان) وغيرهما ونسرع به إلى أطفالنا؛ فنحن نقصد به الترفيه، وغيرنا له أهداف أخرى يغرسها فيه.

يقول حازم العظم: «إن معظم ما تنشره دور النشر للأطفال مترجم أو مؤلف بغير خبرة كافية؛ فالأدب الخاص قليل ويمر بأزمة وجود، وهذه الأزمة أتاحت لبعض الناشرين في غيبة الرقابة والنقد: البحث عن مجلات وكتب الأطفال الرائجة [أقول والأفلام المتحركة ولعب الكمبيوتر] فقدموها لأطفالنا مترجمة بالصور نفسها بغير تمحيص، مع أنها تحوي قيماً تربوية غير ملائمة لعقيدتنا وقيمنا الروحية، أو مرفوضة حتى في البلاد التي تصدر عنها»(6).

ويقول عبد التواب يوسف: «والأطفال لدينا اليوم ضاقوا بسذاجة الكتب التي تسمى: (كتب الأطفال)، وضاقوا ببساط الريح وسندريلا وغيرها»(7).

بل بُلينا بمن يكتب قصصاً للأطفال تهدي إلى الخوف والجبن بدل أن تهدي إلى الشجاعة والجهاد، وتدعو إلى الركون إلى الحظ كقصص السحرة والشياطين والعفاريت.

يقول الدكتور محمد شاكر سعيد: «إن كثيراً مما كتب للأطفال في واقعه ليس صالحاً للأطفال لتجاوزه مستويات الأطفال، أو لتجاوزه الجانب التربوي المناسب للأطفال، أو لعدم تضمنه قيماً أخلاقية تسهم في تربية الأطفال وتنشئتهم»(8).

ولاحظ حازم النعيمي في تحليله لقصص مجلة عربية للأطفال فقال: «إن كثيراً من هذه القصص يسيطر عليها اتجاه ينقص دور المرأة في مجتمعنا العربي، كما أن الأفكار الواردة فيها تعبر عن تبني مفاهيم خاطئة عن قدرات المرأة ووظيفتها الاجتماعية وسماتها الشخصية وسلوكها»(9).

وأدب الطفل مجال واسع لنشر التبعية الثقافية والإعلامية؛ إذ يستخدمه الاستعمار لغزوه الثقافي والإعلامي، ويتلقى الطفل المنتوجات الأدبية والفنية الغزيرة في شتى الفنون والوسائط بقصد التأثير على تكوين الناشئة، والترويج للنمط الثقافي التابع.

لذلك أفرز لدينا مفاهيم خاطئة أنتجت انفصالاً بين الطفل وعقيدته ومجتمعه؛ لأنه يرى ما يصادم ما يقال له وفي النهاية يكون عقل الطفل مجالاً للصراع.

كما يركز كثير من كتاب الأطفال على النزعة الفردية التي تسير الحدث دون ذكر للمجتمع المحيط بالبطل؛ مما يجعل الطفل معتزاً بذاته ميالاً للانفراد برأيه مهملاً آراء الآخرين. وكما أن الكتابة موهبة فهي أوضح في الكتابة للصغار؛ لأنك تتعامل مع مصدق لما يراه أو يسمعه أو يقرؤه، ولقد بُلي المسلمون بحفنة من الجشعين الذين لا يحتسبون لله شيئاً مما يعملون، فلم يشجعوا أصحاب المواهب في الكتابة للأطفال، ولم يسمحوا لهم بالنزول إلى الميدان؛ مما جعل الكتاب المتخصصين نادري الوجود. ولكننا نلحظ منذ عقد من الزمن أن جيل الشباب المسلم بدأ بنشر ما كتبه المتخصصون قبل ردح من الزمن وبنشر الجديد مما كان له أطيب الأثر؛ حيث يجد الأب المسلم ما يطلب في كثير من الأحيان لأطفاله، ولا بد أن نعي أننا نصارع عدواً شرساً له باع طويل في التعامل مع أدب الطفل إن لم نشمر ساعد الجد لم نلحق به، ناهيك عن أن نسبقه.

والله ولي التوفيق.
-----------------------(1) إحياء علوم الدين، ج 1، ص 94.
(2) المصدر السابق، ج 3، ص 57.
(3) مجلة التوثيق التربوي، وزارة المعارف السعودية، عدد 36، ص 86.
(4) المصدر السابق، ص 85.
(5) هو عبد التواب يوسف من أوائل المبرزين في الكتابة للطفل، نقلاً عن أدب الطفل في ضوء الإسلام، لنجيب الكيلاني، ص 166.
(6) الكتابة للأطفال، للدكتور محمد شاكر سعيد، ص 12.
(7) أدب الطفل في ضوء الإسلام، نجيب الكيلاني، ص 165.
(8) المصدر السابق، ص 38.
(9) المصدر السابق، ص 39