الاثنين، 28 أبريل 2014

أدب الأطفال في ميزان الإسلام

 
  د.محمد عبد الهادي 


"
إن الأمة لكي تنهض برسالتها الحضارية في المستقبل، وعلى النحو الذي يستجيب لعظمة هذه الرسالة المؤمنة الهادية، يجب أن تعتمد المنهج العلمي السليم في التخطيط للمستقبل، على مختلف المستويات؛ إذ لا مجال هنا للعمل وفق قاعدة سد النقص و اغتنام الفرص، وتلبية الحاجات الآنية وإنقاذ ما إلى إنقاذه من سبيل، فلا بد من العمل المتقن القائم على العلم، وعلى الرؤية الشمولية على الحاضر والمستقبل في آن واحد"*.

تهدف الحلقة الأولى من هذا المقال إلى تبيان أهمية أدب الأطفال من منظور الإسلام، مع ذكر ماهيَّته وأهم خصائصه التي تميّزه عن الآخر، والحديث عن أهم مميزات أدب الأطفال الإسلامي والتي يتصف بها ويعبر من خلالها كإطار "فكري ومعرفي"، مؤكدين على أن عملية الإبداع والكتابة للطفل المسلم لها خصوصياتها ومتطلباتها، وهذا أمر غاية في الأهمية. أما الحلقة الثانية فستكون -بإذن الله- عن الأهداف المرجوة من أدب الأطفال الإسلامي، وأهمها تنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال من خلال تصور حضاري.

فأدب الأطفال الإسلامي هو ذلك الأدب المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالاته، وهو التعبير الأدبي الجميل الذي يستلهم قيم الإسلام ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساساً لبناء كيان الطفل عقليّاً ونفسيّاً، ووجدانيّاً وسلوكيّاً وبدنيّاً، ويسهم في تنمية مدارك الطفل وإطلاق مواهبه الفكرية، وقدراته المختلفة وفق الأصول التربوية الإسلامية، وبذلك ينمو ويتدرج بصورة صحيحة، تؤهِله لأداء الرسالة المنوطة به في الأرض، فيَسعد في حياته، على أن يراعي ذلك الأدب وضوح الرؤية، وقوة الإقناع والمنطق.

إن كلمة (إسلامي) التي تلي أدب الأطفال، هي صفة تحدد بدقة شكل ومضمون تقديم هذا الأدب لأبناء المسلمين على وجه الخصوص، فأدب الأطفال الإسلامي هو تقديم أدب الأطفال المسلمين خصوصاً، وأطفال العالم عامة بصورة إسلامية، تجسد حياة المسلمين وشعراءهم، وعاداتهم وأوامر ربهم ونواهيه، وبطولات رجاله وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصص وأمثال القرآن الكريم، وكذا يعرف أدب الأطفال الإسلامي، بأنه «الأدب الذي يجسد الصورة الحقيقة للإسلام والمسلمين، كما أنه نوع من الأدب الإسلامي ولكنه أدب متخصص وموجَّه إلى فئة معينة من فئات المسلمين، وهذه الفئة لها خصائصها الخاصة وهم أطفال المسلمين.

وهو -حسب "محمد لغريسي الأسيفي"- الأدب الذي يبرز القيم الإسلامية الرشيدة، ويعكس خفايا الأنفس المتعطشة إلى حب الخير، والمعاني المشرقة، ويوقظ فيهم حس المسؤولية، ويجب ألا يستعصي على مستواهم العلمي أو اللغوي، ولا يعلو على قدراتهم وخبراتهم في الحياة؛ حتى لا يتحرك في الفراغ ويفقد قِيمه وتوهجه. ويجب أن يُكتب بلغة فصيحة سليمة، تواكب عمر الطفل، بأسلوبٍ جذَّاب مشرق، يُشوِّق الطفل ويجذبه نحو القراءة، وما هو مطروح من أفكار. وبهذه التعريفات نرى أن أدب الأطفال الإسلامي سيسهم بشدة في إحياء لغة القرآن في نفوس الأجيال الجديدة، التي هي أساس آمال ومستقبل الأمة، وحب اللغة العربية وإتقانها، هو الأساس الحقيقي لازدهار أدبنا العربي الإسلامي.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن إدخال الأدب ضمن الإطار الإسلامي، يقيده ويشلُّ من حركته الإبداعية والتعبيرية والجمالية، ويكبِّل الجانب الوجداني فيه، ويحوله إلى مواعظ وأوامر ونواهٍ وإرشادات، وواقع الحال أن الأمر عكس ذلك؛ فإن الذين يكتبون أدباً للطفل المسلم، يستطيعون أن يفعلوا الكثير، بالتزامهم بقواعد الكتابة الأدبية من جوانب فنية عديدة، وعلى مبدعي أدب الأطفال أن يستفيدوا من كل ما توصل إليه علماء النفس والتربية والاجتماع، وأن يحاولوا جاهدين أن يكتشفوا عالم الطفولة من قرب؛ أملاً في معرفة العوامل المختلفة والمؤثرات العديدة التي تؤثر في عقل الطفل ونفسيّته ووجدانه، رغم أن هذه المحاولات الجادة تَحِيد عن الصواب في بعضها، إلا أنها جديرة بالتأمل والاستفادة منها، طالما أنها لا تتعارض مع الإسلام.

ولأدب الأطفال -حسب "لطيفة عثماني"- أسلوبه الخاص، ومن أهم مميزاته:
أن يتفق مستوى الطفل ودرجة نموه من النواحي النفسية واللغوية.

أن يَتَخَيَّر الكاتب الألفاظ السهلة الواضحة، والعبارات التي تؤدي المعنى دون قيد.

أن تُثير بألفاظه المعاني الحسية والصور البصرية.

على الكاتب أن يولي عنصر التشويق اهتماماً خاصّاً باعتباره عاملاً هامّاً لجذب انتباه الطفل رغم قدرته المحدودة على التركيز.

على الأديب أن يبتعد قدر المستطاع عن أسلوب الوعظ المباشر، والنصح والإرشاد.

وأكد "محمد عبد الرحمن وزميله" على أهمية التزام مبدعي أدب الأطفال الإسلامي بالكِتاب والسُّنة، ومنفعته بفهم علماء الأمة في جميع الأصول والفروع، وعليهم واجب النهوض من خلال التأليف الملتزم بالإسلام وأهدافه، وأن يمدوا مكتبة الطفل بالزاد الأدبي، من خلال القصة الهادفة، التي تغرس الفضيلة والتسامح والتعاون في نفوس الأطفال، وعليهم أيضاً واجب التصدي للغزوات الفكرية الوافدة، فليلجأوا إلى المصادر الموثوق بها، ليستعينوا بها على تقديم رؤيتهم الإسلامية المعاصرة، المرتكزة على ثوابت الأصالة والتفرد والشمول.

وبناءً على ما سبق، نرى أن الإسلام ينظُر إلى أدب الأطفال، من خلال التزامه بالعقيدة المرتبطة بمنهج تربوي، مبنيٍّ على أسس أخلاقية سويّة، وأن هذا الأدب تشكيل لوجدانهم وصقل لمشاعرهم، وتنشئتهم نشأة صالحة؛ إذ يألفون الحق والجمال والخير، وهذا أفضل أساس لحياتهم وواقعهم المعيش. وأن يكون ذلك بعيداً عن الخرافات وتعطيل التفكير العقلي المتميز، ومن ثَمَّ فإن أدب الأطفال الإسلامي عليه واجب الدعوة إلى الإسلام كعقيدة ومنهج حياة، وعلى هذا الأدب أن يُنَمِّي خيالهم ويطلق تفكيرهم وتصوراتهم بصورة بناءة، وليس مجرد تهويم وأوهام من خلال استقرار نفسي، بما يقدمه لهم من قصص وشعر ومسرحيات، ذات بناء فني متميز يحقق المتعة ويثري العقول.

ومن الأهمية الإشارة إلى مسألة اهتمام الإسلام المبكر بالطفولة تربية وتعليماً... إلخ.

ومن الأهمية التأكيد كذلك على أن المهمة الملقاة على كاهل مبدعي أدب الطفل المسلم، الاختيار الواعي للمعلومات والمفردات، وأن لا نثقله وندخله في دوامة الخلافات التاريخية والثقافية والأدبية، والعيش كذلك من خلال ما يكتب مع هموم الطفل ومشاكله وتطلعاته، ومثل هذه التجربة تستوجب كما أسلفنا معرفة نفسية الطفل، في كل المراحل العمرية، وهذه المعرفة يجب أن تكون على أساس فهم الطبيعة الإنسانية، ومكوناتها التي خلقها الله، ومعرفة سماتها ومنازعها، ودوافعها وغرائزها، والمؤثرات التي تترك بصماتها عليها.

لقد سال مداد كثير حول أدب الأطفال وماهيته وخصائصه ومجالاته، وعليه وجب على الأديب والشاعر والمبدع أن يبتعدوا في إنتاجهم الفكري للطفل عن دائرة الاجترار للقول، لكي لا تضيع الجهود المبذولة في هذا الباب سدًى، ونؤكد على أهمية (إلزام) المؤلف والمبدع في أدب الأطفال (شعراً، قصة، مسرحية، سمعيّاً بصريّاً...) بمراعاة المستوى المعرفي واللغوي والأدبي للمادة الإبداعية المنتجة، لكي تتلاءم ومستواه، وهذا ما أكده "أحمد زلط" بقوله: "يجب أن يراعي المبدع المستويات اللغوية والإدراكية عندما يقوم بالتأليف أو المعالجة للطفل في سائر ألوان التعبير الأدبي له، ومن ثم يرقى بلغتهم وخيالاتهم ومعارفهم واندماجهم في الحياة، بهدف التعلق بالأدب وفنونه لتحقيق الوظائف التربوية والأخلاقية والفنية والجمالية".

والفن الإسلامي الذي يُعَدُّ أدب الأطفال جزءاً أساسيّاً منه، لا يرسم صورة مزورة للبشرية، بل صورة واقعية عميقة الجذور، تشمل الإنسان كله في جميع حالاته وجميع آفاقه. ويمكننا تحديد أهم غايات أدب الأطفال الإسلامي، في حَثِّه الأطفال على الخلق القَوِيم من صدق وبر وعدل، ورحمة وحلم وحياء، وصبر وشجاعة وعزة وتواضع، وشفقة ووفاء وعفة وصلة رحم، ورعاية حق الجار وعيادة المريض، وإغاثة الملهوف ورعاية الفقراء، والشهامة والمروءة وطلب العلم.

ويؤكِّد أدب الأطفال الإسلامي على مبدأ المساواة في المجتمع الإسلامي، من خلال تلقي العلم النظامي لكل أفراد المجتمع، والعناية كذلك بذوي الاحتياجات الخاصة باعتبارهم جزءاً من المجتمع، وعليه وجب تهيئة الجو المناسب لهم لتلقيهم العلم، كما يحث على الاعتناء بالأطفال المتفوقين والموهوبين. ويُعتبر اللعب كأداة تعليمية، وإحدى الوسائل التي يهتم بها أدب الأطفال الإسلامي؛ لأنه لا يتعارض مع الإسلام، ولأنه ينمي طاقات الطفل الإبداعية، باعتباره تحريراً سليماً للطاقة الحيوية الفائضة عند الطفل، وباعتباره أيضاً من أبرز المقومات التربوية في سنوات الطفولة، وأنه وسيط تربوي فعال في تشكيل شخصيته. ويَعتبر أدب الأطفال الإسلامي الطفل أمل المستقبل، وطوق النجاة من الانعتاق والتخلف والتبعية؛ فلا بد من تحصينه بعقيدة الأمة وأخلاقها وقيمها، لكي لا يَضيع ويذوب في هذا الكم الهائل من الأفكار والأيديولوجيات، وعلى ذلك لا بد أن تبدأ الطفولة بداية صحيحة ومتينة، حتى لا تَشُبَّ مُعوَجَّة ومُشَوهة، وذلك معناه أنها تمتلك حقوقاً ما على المجتمع.
ومن الأمور التي لا بد لأدب الأطفال الاهتمام بها، ولكن بوعي كامل، هي تربية الطفل على تحمل المسؤولية "ليس بالمفهوم المادي"، بشرط ألا نكلفه ما لا طاقة له به، ولكن ندرِّبه على تحمل المسؤوليات التي تتماشى مع قدراته، وأن يتم ذلك بتدرج، حتى يشبَّ إنساناً قادراً على تحمل المسؤولية في المجتمع الخارجي. والتربية والتعليم للطفل من وجهة نظر أدب الأطفال الإسلامي، تكون بالقدوة والتقليد، أكثر ما يكونان بالنصح والتلقين.

ويجب أن تقدم للطفل الحقائق من خلال المقاومة، فنطرح الواقع عليه من خلال التصادم والتجربة، والخطأ والصراع والحركة لشحذ فاعليته، وذلك بدلاً من طرح الواقع كمسلمات وبديهيات تطرحنا على أرض التسليم والاستسلام، وبهذا يتعود الطفل البحث عن عالم أفضل، وهو غريزة من أهم غرائز الحياة.
ويبقى أدب الأطفال هو العمود الفقري لثقافة الطفل. وتنميتها والرقي بها على جميع الأصعدة "ثقافيّاً وتربويّاً واجتماعيّاً وتعليميّاً".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق