الثلاثاء، 29 أبريل 2014

حوار للكاتبة فاطمة اللواتي : لا نحتاج إلى الغرب في تربية أبنائنا



يواجه الآباء والأمهات خلال تربيتهم لأطفالهم الكثير من العوائق والمشكلات، كما تفتقر المراجع العربية إلى وسائل المساعدة لهؤلاء في استفساراتهم وهنا تبرز الحاجة إلى عمل د . فاطمة اللواتي، الحاصلة على دكتوراه في تعليم الموهوبين وماجستير في رياض الأطفال، ولديها العديد من الأبحاث والكتابات، بدأت كاتبة مسرحيات في المدرسة، ثم قصص للكبار، وبعد فترة بدأت بالكتابة للأطفال، إلى جانب ذلك مقالات في الجرائد العمانية، وأبحاث تربوية وورش عمل . حول عملها في مجال التربية كان هذا الحوار مع اللواتي .

أنتِ من القلائل في السلطنة ممن يهتمون بتربية الطفل، ما رأيك في واقع هذه التربية؟

- موضوع تربية الأطفال واقع معروف لكنه مجهول بالنسبة إلى الكثيرين، هذا المعروف المجهول يخضع أيضاً للكثير من النظريات والآراء والأفكار إلى جانب تنوع التأثيرات المنصبة فيه من شتى بقاع الأرض، كما أنه يتأثر بالعديد من المتغيرات المتنوعة المعقدة، لاسيما في واقعنا الخليجي، حيث مكونات البيت لم تعد تقتصر على العائلة أو الأسرة أو الأقارب، وإنما تمتد إلى الخادم والسائق والمربي والطباخ وكل هؤلاء من جنسيات مختلفة . ومدارسنا لم تعد محصورة بالمعلم المواطن أو العربي، وإنما تعددت الجاليات الأجنبية التي تتكفل بتعليم أولادنا، كما أن أسواقنا التي تزدهر بكل جديد من المنتجات أصبحت هي أيضاً محطة لتنوع الأجناس البشرية القادمة من شتى بقاع العالم . إلى جانب ذلك فمناهجنا لم تعد المناهج الوطنية التي تدرس للجميع فهناك مناهج دراسية متنوعة ومدارس لمختلف الجاليات . ووفق النظريات الحديثة، فإن الطفل يتأثر بعدد من المتغيرات أو النظم التي من الممكن تصورها على شكل دوائر متداخلة ويكون الطفل النقطة المركزية داخلها . الدائرة الأقرب تسمى Microsystem، وفيها يتم التركيز على نوعية العلاقات القائمة بين الطفل ووالديه ومعلميه وأقرانه والآخرين من حوله، وتتسم هذه العلاقة بالحب والخوف والتعاون والاحترام، أما الدائرة الثانية وتسمى Mesosystem، فيظهر فيها التأثير والتأثر المتبادلان بين الطفل والجوانب البيئية المتصلة به كالمدرسة والأسرة والجيران والحارة، والمجتمع، ودور العبادة، أما الدائرة الثالثة Exosystem، فتتضمن العلاقات الاجتماعية الأخرى التي ليس لها علاقة مباشرة بالطفل مثل نوعية عمل الوالدين، فمكان عملهما قد لا يعني له كثيراً إلا أنه يتأثر بطبيعة هذا العمل وما يسببه من غيابهما لفترات طويلة أو قصيرة عن البيت أو بالصعوبات التي قد يواجهانها في العمل وانعكاسات تلك الأمور على الأسرة . والدائرة الرابعة Macrosystem هي الدائرة الخارجية التي تعنى بالتفاعل الاجتماعي وبعادات وتقاليد المجتمع، فالعادات والثقافات المختلفة التي نتبناها ونتفاعل معها تؤثر في نوعية التربية التي يتلقاها الطفل وتؤثر في عملية تفاعله واتصاله بها .

هذا الواقع المتنوع والمتغيرات المختلفة من الممكن أن تسهم في إغناء معارف الطفل عن الثقافات المختلفة واحترام الأجناس البشرية إن تم التواصل بينهما بشكل إيجابي الذي مع الأسف نفتقده، وهو كذلك قد يشكل عاملاً مباشراً في تزعزع قيم ومفاهيم المجتمع بما فيه من أطفال وتراث وتقاليد، فهو سلاح ذو حدين .

ما النواحي التي ترين فيها تقصيراً؟

- التقصير في الأمور التربوية قد يأخذ مساحة واسعة من الحديث، كما أنه يحتاج إلى دراسات منهجية، خصوصاً حينما نتحدث عن التقصير على المستوى الرسمي، أما على مستوى الأفراد فكل منا يستشعر التقصير ويسعى إلى تلافيه، فمثلاً أنا بصفتي أماً قد أدرك التقصير الذي أتمنى لو كنت تلافيته، والمعلم في الواقع المدرسي يدرك أن هناك أموراً قصّر فيها، والمسؤول أيضاً يتمنى لو أنه استطاع تلافي تقصير ما في جهة ما أو في بعض من ممارساته، التقصير موجود في حياتنا جميعاً .

ما الذي تفعلينه لتلافي التقصير الموجود؟

- على المستوى الشخصي أحاول أن أكتب وأنشر لألفت النظر إلى ما أراه بحاجة إلى تقويم، فإضافة إلى استخدام إمكاناتي في مجال الكتابة، فإنني كذلك أعقد دورات وأقيم ورش عمل وأجري بحوثاً في حدود إمكاناتي الشخصية، وهذا دأب من هم في وضعي وليسوا في موقع القرار أو السلطة .

لجهة أدب الطفل، تعاني المجتمعات العربية عموماً والسلطنة بخاصة نقصاً واضحاً في هذا الجانب، ما الأسباب برأيك وكيف نعالجها؟

- أي مشروع ينشد النجاح، سواء هنا في السلطنة أو في أي مكان آخر، يحتاج إلى مَنْ يتبناه، هذا التبني لن ينجح إلا بقرار حكومي وبدعم، فعندما تتحرك القرارات على هذا المستوى فإنها بلا شك تتحول إلى واقع، لكن، لتحقيق ذلك لا بد من اختيار أشخاص أكفاء لقيادة الدفة أو المؤسسة . نحن في السلطنة مع الأسف نفتقد المؤسسة الداعمة لأدب الطفل، لكن الأمل المعقود على هذا العام كبير، فنأمل أن يتحقق شيء ذو أهمية في مجال الطفولة، فبما أن السلطنة تحتفل في هذا العام بعام الطفل فإننا نأمل بتهيئة الأرضية المناسبة لإيجاد مؤسسة داعمة وفاعلة تستطيع مواكبة حركة الطفولة ونشاطها وتأخذ بيد أدب الطفل الموجّه إلى ما يغطي النقص في هذا المجال .

ماذا عن الدورة التي تقيمينها لتعليم فن كتابة القصص للأطفال؟

- هذه هي الدورة الأولى، فحسب معلوماتي لم تقم دورات في هذا المجال منذ سنوات عديدة، والهدف هو تحقيق عدد من الأمور منها مساعدة الشخص الراغب في الكتابة للأطفال على أن يتمكن من كتابة قصص لهم وفق أسس سليمة ومن خلال فهمه لعالم الطفولة وخصائص الطفل . على الصعيد المحلي المشاركة محدودة، ولو تبنت الدورة إحدى المؤسسات لوجدت الكثير ممن يرغبون في المشاركة، لكن من ناحية ثانية حينما يتواصل معك أفراد من دول خليجية أخرى رغبة في المشاركة، فإنني أرى أن هناك إقبالاً على أدب الطفل على مستوى الخليج ونقصاً في هذا الجانب بالذات .

ما الذي تقدمه كتب الأطفال لهم برأيك؟

- هناك أنواع مختلفة من كتب الأطفال، منها الخيالية والواقعية، هذه الكتب تطرح أيضاً بتصاميم مختلفة، منها المصورة أو اللوحية والمبوبة وكتب التلوين، هذه الكتب كلها تطرح بأفكار مختلفة وتسمح بمساحات واسعة للمؤلف ليبدع فيها ويقدم الكثير، من خلال كتب الأطفال ينمو خيال الطفل ولغته ويبدأ في محاكاة العالم من حوله، والطفل الذي يبدأ في التعرف إلى كتب الأطفال في سن مبكرة تتوسع آفاقه ويتأثر مستواه الأكاديمي ويتعود على القراءة ويتخذ من الكتاب صديقاً له ورفيقاً .

هل تجدين تجاوباً من القائمين على التربية في الجهات الحكومية المعنية؟

- التربية مفهوم واسع، والقائمون على الشأن التربوي أفراد مختلفون من حيث المستوى والفهم والأداء، وهذا ينطبق حتى داخل المؤسسة الواحدة . مثلاً قبل فترة أقمت في النادي الثقافي محاضرة حول فن تربية الطفل ما قبل المدرسة وبدعوة من النادي مع أن هذه النوعية من الأنشطة ليست من صميم توجهاته، وهناك مؤسسات أخرى لا علاقة مباشرة لها بالشأن التربوي قد تدعم الأمور التربوية، وهناك مؤسسات صاحبة المسؤولية والاختصاص في الشأن التربوي وتجدها مقصرة في العديد من النواحي .

هل يمكن تلخيص بعض النصائح الرئيسية في تربية الأطفال قبل المدرسة؟

- في دراستي للماجستير في مجال رياض الأطفال اعتمدت على التشريع الإسلامي لفهم القيم الإسلامية في تعليم أطفال ما قبل المدرسة، وأوضحت نتائج الدراسة أن النظرة الإسلامية للطفل أكثر شمولية وعمقاً، وأن الأساليب الإسلامية في تربية الأطفال لا تخالف الأساليب التربوية الحديثة بل تضيف إليها الكثير . وفي بحثي لنيل درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة في تعليم الموهوبين اعتمدت أيضاً على القرآن والأحاديث الشريفة والتراث الإسلامي في وضع النظرية أو الرؤية الإسلامية في تعليم الموهوبين . وقال لي الدكتور المشرف على بحثي إنه يعتبر إضافة جيدة إلى ما هو موجود في مجال تعليم الموهوبين . من هنا أقول إن لدينا الكثير من القيم والمفاهيم التي تؤهلنا لأن نرسم معالم لتربية طلابنا ونعتمد عليها أساساً لمناهجنا وبرامجنا التربوية، ولسنا بحاجة إلى الاستعارة من الغرب، وحينما نضع منهجاً قائماً ومنبثقاً من صميم قيم مجتمعنا ومبادئه يكون أكثر ملاءمة لحاجات الطالب، وبالتالي ينعكس على شخصيته وقدراته وتقدمه .

إننا بحاجة إلى فهم أطفالنا وعالمهم والتعامل معهم وفق أسس المحبة من غير تمييع لشخصياتهم، فالعملية التربوية ليست أمراً سهلاً أو وصفة جاهزة من الممكن استخدامها، لكنها أيضاً ليست عملية مستحيلة وإنما هي بحاجة إلى إدراك من أولياء الأمور والمربين لضرورة الموازنة بين عناصر شخصية الطفل من غير إفراط أو تفريط، والتربية الصالحة هي أولاً وأخيراً توفيق من الله سبحانه وتعالى، وهذا التوفيق بحاجة إلى تخطيط سليم وأدوات صحيحة وكفاءات مخلصة وأساليب حديثة وملائمة .

أخطر المراحل
تقول د . فاطمة اللواتي عن أخطر المراحل في تربية الطفل: في واقعنا الحالي، كلتا المرحلتين خطرة، لكن تبقى مرحلة خروج الطفل واحتكاكه بالعالم من حوله بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والعناية، إلا أن المرحلة الأولى هي مرحلة بناء القيم والمفاهيم وتأكيد الأساسيات، وتتميز هذه المرحلة أيضاً ببدء بناء الاحترام والثقة المتبادلة بين الوالدين وأطفالهما . هذه الثقة والاحترام من الأساسيات التي تسهم في ما بعد في حصانة الطفل من العوامل الخارجية وبناء شخصيته، بحيث تكون شخصية مؤثرة وغير متأثرة فقط، شخصية متوازنة تستطيع أن تقيم وتحلل وتقول نعم أو لا للمثيرات الخارجية، الشخصية المتوازنة تكون أقل عرضة لأي خطر خارجي يحرفها عن مسارها . طبعا، قيادة الوالدين واهتمامهما المتواصل باحتياجات أولادهما ضروريان، فإن زراعة الإحساس فيهم بأنهم موضع ثقة الوالدين والأهل أمر مهم في العملية التربوية، لأن ذلك من شأنه أن يسهم بشكل كبير في محافظة الأولاد على تلك القيم والمفاهيم، لكن ينبغي على الوالدين أن ينتبها ولا يعطيا ثقة أكثر مما ينبغي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق