الاثنين، 28 أبريل 2014

تاريخ أدب الأطفال قديما وحديثا

 
محمد الفاضل سليمان

قد يتساءل الكثير عن بداية تاريخ أدب الأطفال ومدى تطوره إلا أن هذا السؤال قد يتلاشى إذا ما سلمنا بأن أدب الأطفال قديم قدم المجتمعات الإنسانية وحيثما توجد أمومة وطفولة أدمية، يوجد بالضرورة أدب الأطفال بقصصه، وحكايته، وترانيمه، وأغانيه، وأساطيره وفكاهاته.
لايخرج على هذا القانون الطبيعي لغة، ولا يشذ عنه جنس. غير ان الإنسان وهو يسعى على درب الزمن الطويل في بدايته الأولى منفرداً في الغابات، والكهوف ثم في مجموعاته القبلية وحتى في مراحل تكوينه الأمم والمجتمعات وتنظيم الدول لم تكن مجتمعاته تهتم بالطفل إلا بالقدر الذي يؤهله في مستقبل حياته لكي يكون قادراً على تحمل مسئوليته تجاه ذلك المجتمع الذي نشأ فيه، والمشاركة في بناء حضارته، وفي حمايته من أعدائه أو فرض سلطانه على الآخرين.
وقد يكون عجيباً، أن الأمم القديمة ذات الحضارات الراسخة والآداب الرفيعة لم تهتم بتسجيل حياة الطفولة عندها أو آداب أطفالها لذاتها وما وصل من هذه أو تلك فهو قليل ونادر وكان متصلاً بعمل من أعمال الكبار إلا مصر القديمة فقد كانت فيما وصل إلى العالم الحديث حتى الآن من آثاره الوحيدة بين الأمم القديمة التي سجلت حياة الطفولة، وأدب الأطفال في نقوش وصور على جدران القصور والقبور وكتبتهما في برديات بقيت على مر السنين وكان عند السومريين نظام تربوي تعليمي يكاد يكون متقدم يقترب من النظم الحديثة. وربما كان من أهم أسباب ذلك انتشار الكتابة السومرية ومن آثارهم ملحمة "حلجامش" التي لم تغفل الطفل وأدبه فجاء ما يخص الطفل بلغة أيسر وفي مواضع مناسبة من الملحمة كما يذكر الدكتور صالح الشنطي.
أما في اليونان فكان اعداد الطفل عندهم نابعاً من الرغبة في تحمل المسؤولية كان الحال في اسبارطة وفي أثينا. أما الرومان فقد حرصوا على تنشئة أطفالهم ليكونوا جنوداً للأمبراطورية الرومية وعند الفرس كانوا يعلمون أبناءهم حتى السابعة أموراً ثلاثة ركوب الخيل ورمي السهام، وقول الحق ثم يسلم للدولة ينخرط في سلك المحاربين لتعده جندياً وعند الخامسة عشرة يتلقى حزام الرجولة.
أما العرب القدامى فكانوا يبعثون بأبنائهم إلى الصحراء مع مرضعات من البدو، ثم لا يعودون بهم إلى الحضر حتى يبلغوا الثامنة والعاشرة ليتعلموا الفصاحة، وينهلوا من روح الحرية ويتأهلوا ليكونوا فرساناً ولكن محنة الطفولة عند العرب بلغت ذروتها حين أخذوا يئدون أطفالهم الإناث خشية الإملاق أو خشية العار الذي تجلبه البنت إذا شبت.
تأريخ أدب الطفولة في الإسلام :
تغيرت النظرة الجاهلية للأطفال التي سادت المجتمعات القديمة أو بعضها، جاء الإسلام فغيرها أولاً في العرب، ثم في الفتوحات الإسلامية التي غيرت واقع الإنسان، فأصبح مؤمناً يحمل رسالة في الحياة واستقامت فكرته على ما فطره الله عليه فاهتم الإسلام بالطفولة اهتماماً متميزاً، ورعاها رعاية حانية، لا توجد في أي أمة أو أي مذهب بشري وانطلق علماء المسلمين يقدمون الدراسات النظرية والتطبيقية في التربية ومناهجها ورعاية الأطفال وبنائهم على أساس منهاج الله وأمامهم هدف رئيس واضح المعالم، وهو إعداد الجيل المؤمن الذي يعرف دينه ويعرف مهمته في الحياة وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين كيف يؤدبون أبناءهم ففي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نصوص كثيرة تتعلق بالطفولة، والعناية بالأطفال، وتربيتهم وتعليمهم، والعطف عليهم، وتدريبهم على الصلاة والصوم وفعل الخير، وقبل نصوص الأحاديث الصحيحة كان القرآن الكريم قد اهتم بالطفولة، ووضح حقوقها وكفلها، وشدد على الإلتزام بها ونجد فيه سوراً تدل على الصور الرائعة للتربية والبناء ففي سورة لقمان مثلاً : نجد قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ومع هذه السورة الكثير من السور التي هي أدب الأطفال والكبار على حد سواء، وكل آية في كتاب الله هي نص أدبي معجز ميسر وتجمع آيات الله كلها الأدب، والفقه، والفكر، والتربية، وعلم النفس، والسياسة، والاقتصاد، جميعاً معجزاً لكل جوانب حياة الإنسان وتربيته وأدبه.
وللنظر إلى بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الموجهة إلى الأطفال مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك" وقوله صلى الله عليه وسلم للسيدة أسماء بنت أبي بكر عندما ولدت عبد الله بن الزبير " أرضعيه ولو بماء عينيك" وقول أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان النبي أرحم الناس بالصبيان والعيال" ومن هذين المصدرين الكتاب والسنة استقى المسلمون ألواناً وصوراً مصبوغة بالعطف والرحمة في معاملة أطفالهم فالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كانت ترقص الحسين بن علي رضي الله عنهما فتنشد :
وا يأبي شبه النبي ليس شبيهاً بعلي
والزبير بن العوام رضي الله عنه كان يرقص ابنه عروة وينشد قائلاً
أبيض من آل أبي عتيق مبارك من ولد الصديق
ألذه كما ألذ ريقي
ثم يأتينا مصدراً ثالثاً لأدب الطفل المسلم مستمد من سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة الأبرار الذي تخرجوا من مدرسة النبوة فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " علموا أولادكم السباحة والفروسية وأرووهم ما سار من المثل وحسن الشعر" ويقول الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك لملعم ولده " أول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله ثم أروه من الشعر أحسنه ثم تخلل به في أحياء العرب فخذ من صالح شعرهم وبصره بطرف من الحلال والحرام والخطب والمغازي" وحفل تأريخ الصحابة والتابعين بنماذج كثيرة من أدب الأطفال ما بين شعر وقصة، موقف وحكمة، ووضعت كتب كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم للأطفال في أعمال مختلفة تحمل كنزاً من أدب الأطفال الإسلامي في أبوابه المختلفة أيضاً فكتب الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا سلسلة " صور من حياة الصحابة وصور من حياة التابعين" وكتب الشيخ على الطنطاوي (سلسلة نجوم الإسلام).
أما المصدر الرابع لأدب الأطفال فهو كتب التراث التي كتبها علماء المسلمين وفقهائهم وأدبائهم في ميدان أدب الأطفال من قصص وشعر وحكايات وفكاهة وطرائف بعيداً عن الأساطير الخرافية التي تصطدم مع سلامة العقيدة منها على سبيل المثال (رسالة آداب المعلمين) للإمام التنوخي القيرواني، ومحمد بن يعقوب المعروف بابن مسكويه في رسالته (وصية الحكمة) وابن سينا في كتابه (السياسة) وابن خلدون في كتابه (مقدمة ابن خلدون) والإمام محمد بن أحمد الغزالي في رسالته (أيها الولد) (وحي بن يقظان) لأبن الطفيل (ومقامات الحريري) لبديع الزمان الهمداني (وكليلة ودمنة) لابن المقفع (ومجالس ثعلب) لأحمد بن يحي (والبخلاء) للجاحظ و(أنباء نجباء الأبناء) لمحمد بن ظفر الصقلي و"نوادر جحا" في طبعاتها المختلفة وغيرها من كتب التراث التي يمكن أن يختار منها نماذج صالحة لأدب الأطفال الإسلامي ولابد من الدقة والحذر عند اختيار النماذج لتكون صالحة لتحقيق الهدف المنشود في كل مرحلة من مراحل الطفولة.
أدب الأطفال في العصر الحديث :
لقد ظهرت العناية والاهتمام بأدب الأطفال في القرنين الماضيين في أوروبا وأمريكا وكثير من بلدان العالم سأذكر البعض منها هنا وبشكل مختصر على سبيل المثال للتدليل على مدى أهمية هذا الأدب.
ففي فرنسا بدأ أدب الأطفال في الظهور في أواخر القرن السابع عشر عندما ظهرت مجموعة " حكايات ماما وزة" عام 1697م، وهي تضم عدداً من القصص منها: " سندريلا والجميلة النائمة" " والجنية والقط في الحذاء الطويل" الذي كتبها " تشارلز بيرو" الشاعر الفرنسي الكبير الذي خشي على مجده الأدبي فلم ينسب هذه المجموعة له واستعار لها اسم ابنه " بيرودارمانكور" وبعد أن نالت هذه المجموعة شهره واسعة اتبعها بأخرى نسبها إلى نفسه وكانت بعنوان "أقاصيص وحكايات الزمن الماضي"، ثم جاء " جان جاك روسو" في القرن الثامن عشر وانتشرت آرائه في تعليم الأطفال وتربيتهم ثم ترجمت " ألف ليلة وليلة " العربية إلى الغربية وبعدها ظهرت أول صحيفة للأطفال في فرنسا ما بين عامي "1747-1791م" ورمز صاحبها لاسمه بعبارة " صديق الأطفال".
أما في انجلترا فقد ترجمت " حكايات أمي الأوزة" للإنجليزية فأثرت في تأليف كتب جديدة للأطفال واقترن باسم "جون نيوبري" صاحب المكتبة الشهيرة باسمه التي خصصها للأطفال وأخرج " نيوبري" حوالي مائتي كتاب صغير للأطفال تضم الخرافات والحكايات والأساطير.
ثم ظهر الكاتب " تشارلز لامب" بكتابة قصص مسلية وممتعة للأطفال وفي عام 865م ظهرت مجموعة " أليس في بلاد العجائب" للكاتب لويس كارول".
وفي ألمانيا ظهرت عام 1812م " حكايات الأطفال والبيوت وفي الدنمراك ظهر رائد أدب الأطفال في أوروبا " هانزكريستيان أندرسون" وقصصه المعروفة " البطة القبيحة" " فتاة المباراة الصغيرة" و " ثياب الأمبراطور الجديد".
وظهرت في روسيا كتابات " لبوشكين" و " تولستوي" و " مايا كوفسكي" الذي ألف 16 مقطوعة للأطفال. واهتم " إيفان كريلوف" الشاعر بالكتابة للأطفال على لسان الحيوانات.
وفي أمريكا تطورت الكتابة للأطفال على يد " صمويل جود ريتش" الذي نشر " حكايات بيتر بيلي" وبلغ عدد الناشرين للأطفال بأمريكا عام 1965م إلى "5895" ناشراً ووزعت أكثر من خمسة ملايين نسخة من الكتب بالإضافة إلى ظهور أدب الأطفال وكتبه في كثير من الدول مثل إيطاليا واليابان والبلدان الأفريقية والآسيوية وتتفاوت النسب في مدى تطوره وأهميته.
أما في البلدان الإسلامية فقد ظهر أدب الأطفال في كل من باكستان، وتركيا، والهند، وبنجلاديش وكان محور هذا الأدب ما تواجهه تلك الدول من استغلال واستعمار وخلافات مذهبية وطائفية وأفكاره كلها مستمدة من الغرب وفلسفته.
وبلمحة سريعة عن أدب الأطفال في البلاد العربية نجد أن مصر تكاد تكون الرائدة في هذا الأدب وظهر في حداثته في عهد " محمد علي باشا " وكان " رفاعة الطهطاوي" أو من ترجم قصصاً للأطفال ثم جاء " محمد عثمان جلال" الذي ترجم حكايات " لافونتين" ثم " إبراهيم العرب" " وعلي فكري" صاحب كتاب "مسامرات بنات" ثم جاءت الخطوة الكبيرة على " محمد الهراوي" وكامل الكيلاني" ثم ظهر كتاب آخرون منهم " محمود أبو الوفا" وعبد الرحيم الساعاتي" و " عبد الحميد جودة السحار" و " نبيلة راشد" وأحمد بهجت" ثم كتب للأطفال في الأردن وفلسطين مجموعة من الكتاب كذلك الحال في سوريا والعراق وبلاد المغرب.
إلا أن أدب الأطفال في البلاد العربية كان متأثراً بالأدب الغربي وينظر إليه على أنه الرائد والقدوة نظراً لأوضاع البلدان العربية التي كانت معظمها مستعمرة أو شبه مستعمرة وكانت الأفكار تتبع مذاهب الغرب وفلسفتها. وكان العالم العربي يعيش حالة من التأخر والجهل أما في الخليج العربي فقد كان أدب الأطفال من الجوانب التي شملها الإهتمام في هذه الدول وقد صدرت عن مجموعة من الكتاب والفنانين من البحرين نصوصاً أدبية ولوحات فنية تحت عنوان " من يحمي أرض الطفولة في فلسطين".

هناك تعليقان (2):